عن انتفاضة الجامعة اللبنانية
صدرت عن رئيس الجامعة اللبنانية سلسلة تعاميم تضرب مفهوم الجامعة كفضاء وطني عام، وتُفقد الأساتذة المكانة العلمية والأكاديمية التي يُفترض أن يتمتعوا بها خلال تأديتهم مهامهم الجامعية
صدرت عن رئيس الجامعة اللبنانية سلسلة تعاميم تضرب مفهوم الجامعة كفضاء وطني عام، وتُفقد الأساتذة المكانة العلمية والأكاديمية التي يُفترض أن يتمتعوا بها خلال تأديتهم مهامهم الجامعية
صدر عن رئيس الجامعة اللبنانية تعميمان وصفهما الكثير من الأساتذة بـ"مذكرات الجلب"، حيث اتخذ من خلالهما تدابير مرتبطة بمنع السفر وضرورة إبلاغه بأسماء الأساتذة الملتزمين بالإضرابوقد تحول واقع الجامعة إلى صورة مصغرة عن واقع الدولة، وعُبِّر عن هذا التحاصص بـ"الميثاقية". وغابت الجامعة اللبنانية عن الحراك الاجتماعي السياسي في السنوات العشر الأخيرة، الذي تجلى آخره إثر أزمة النفايات في بيروت وغيرها من المناطق. وليس عبثاً وقف الانتخابات الطلابية منذ العام 2008 وحصر التمثيل الطلابي عن طريق وراثة المكاتب الطلابية واعتماد المداورة الطائفية في قيادة الأداة النقابية، حيث وصل إلى قيادتها مسؤولون في المكاتب التربوية للأحزاب السياسية. هذا الواقع السياسي تزامن مع سلسلة تعاميم صدرت عن رئيس الجامعة الحالي تضرب مفهوم الجامعة كفضاء وطني عام، وتُفقد الأساتذة المكانة العلمية والأكاديمية التي يُفترض أن يتمتعوا بها خلال تأديتهم مهامهم الجامعية، كما تُفقد الطلاب حقوقهم الأساسية. وقد بدأ ذلك منذ توليه رئاسة الجامعة إثر تعميم دعى فيه إلى احترام "الميثاقية" في المراكز الأكاديمية، متجاهلاً المعايير القانونية والعلمية، وأرفق تعميمه بمنع تسجيل الطلاب في اختصاصين، وهذا ما أبطله مجلس شورى الدولة بعد طعن تقدم به بعض الطلاب المستقلين. وقد استمر التوجه غير الواضح لإدارة الجامعة من خلال تعاميم أعادت فرض صفة الموظف على الأستاذ الجامعي، ما يسقط عنه كل الحصانة المعنوية المرتبطة بحريته الأكاديمية. وقد ختم رئيس الجامعة هذا المسار بتعميمين غريبين خلال الاحتجاجات الأخيرة، وصفهما الكثير من الأساتذة بـ"مذكرات الجلب"، حيث اتخذ من خلالهما تدابير استثنائية مرتبطة بمنع السفر وضرورة إبلاغه بأسماء الأساتذة الملتزمين بالإضراب، وسَحَب بموجبهما صلاحية المجالس الإدارية والأكاديمية. من هنا يظهر تحرك الأساتذة في الجامعة اللبنانية، خلال الشهرين الماضيين، مع تحرك ملفت للطلاب المستقلين، كأحد أشكال الحراك الاجتماعي السياسي في مواجهة السلطة التي حاولت بداية تجاهل هذه الانتفاضة ثم قابلتها بالعديد من الإهانات على مختلف المستويات، وهو ما يعطي مؤشراً واضحاً على "مَونة" غير مبررة من الزعماء السياسيين على الأساتذة الأكاديميين. كما تتجلى أهمية هذه الحلقة من سلسلة التحركات العامة في انطلاقها العفوي من الأساتذة والطلاب رغم كل محاولات الإطباق عليها. وهي، وإن تم تظهيرها من خلال مطالب اقتصادية-اجتماعية، إلا أن مناداتها باستقلالية الجامعة وكف يد السلطة السياسية عن العبث بها، تشكل التفسير الوحيد للغضب الذي تعاملت به أطراف السلطة السياسية كافة مع التحرك، سواء من خلال أدواتها الإدارية والنقابية داخل الجامعة، أو من خلال تصريحات السياسيين المتعددي الانتماءات، الذين لم يثبتوا كفاءة علمية، لا عن طريق عملهم السياسي ولا عن طريق عملهم التقني داخل الإدارات التي أحكموا السيطرة عليها منذ انتهاء الحرب الأهلية. أما ما زاد الأمر شبهة فهو أداء الإعلام، المرئي بشكل خاص، لجهة تعاطيه مع هذا الحراك، حيث غيَّب المطالب الأساسية وسلط الضوء على المطالب المالية حصراً، وشكّك بأخلاقيات الأساتذة، علماً أن الأساتذة المنتفضين لكرامتهم وكرامة هذا الصرح الوطني، هم أنفسهم أصحاب الجهود التي أبقت نتائج الجامعة لامعة على المستوى المحلي والدولي برغم كل المعوقات.