طلّاب يقتلهم "كوفيد" بصمت
نحن بأمس الحاجة اليوم لإعداد خطة تربوية متكاملة طارئة، كي لا يخسر هذا الجيل نفسه ونخسره. ولا ينبغي التعويل على مؤسساتنا التربوية المهترئة، بل يجب أن نعمل في كل كلية على ابتداع حلول، ولو متواضعة، بهدف تخفيف الضغط عن طلابنا.
نحن بأمس الحاجة اليوم لإعداد خطة تربوية متكاملة طارئة، كي لا يخسر هذا الجيل نفسه ونخسره. ولا ينبغي التعويل على مؤسساتنا التربوية المهترئة، بل يجب أن نعمل في كل كلية على ابتداع حلول، ولو متواضعة، بهدف تخفيف الضغط عن طلابنا.
ما الذي يمنعنا من التواصل مع زملائنا من الاختصاصيين النفسيين والتربوين لمتابعة الطلاب الأكثر هشاشة؟في دراسة أخرى أجريت في الولايات المتحدة، يظهر أن أكثر من 71 في المئة من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة يعانون من زيادة في الشعور بالاكتئاب والقلق والتوتر والأرق وفقدان القدرة على التركيز بسبب الخوف من الفشل في دراستهم والعزلة الاجتماعية وغياب التفاعل مع أقرانهم. في تلك البلاد، وبرغم تخبطها أيضًا في معالجة المضاعفات النفسية والاجتماعية للحجر الصحي، يتلقى الطلاب من جامعاتهم دعمًا نفسيًا، حيث يُخصص لمن يعاني منهم من صعوبات نفسية جلسة واحدة على الأقل مع مختص. ماذا عن بلادنا؟ من يسمع شبابنا ويهتم لمعاناتهم؟ يُطرح هنا سؤال مجتمعي وتربوي ملح: ما هو دور الصرح التعليمي الجامعي الوطني؟ أيمكن اختزاله بتلقين المعلومات وإنهاء برنامج فصلي بأسرع وقت والتمكن من إجراء الامتحانات في موعدها؟ أم يُفترض به بناء قدرات جيل ومنحه إحساسًا بمعنى ما حيال ما يفعله ويطمح إليه، في وقت يعاني فيه هذا الجيل من أسوء مرحلة عرفتها البلاد؟ لا نطمح لتخصيص معالجين نفسيين لسماع الطلاب بشكل فردي، لكن ألا يمكن تكوين خلية أزمة للإنصات لمشكلاتهم الجماعية الناجمة إلى حد كبير عن غياب رؤية ومنهجية قادرة على تنظيم التعليم عن بُعد وتسهيله على الأقل؟ أيُعقل أن نستمر في نقل المنهج التعليمي الحضوري ومن ثم إسقاطه على التعليم عن بُعد من دون أي تعديل منهجي أو تربوي يتكيّف مع القيود التي تفرضها هذه الطريقة في التعليم (وهذا التعديل يُفترص أن يكون عميقًا، لا مجرد إلغاء درس من هنا ومقطع من هناك)؟ كنا نحاول في التعليم الحضوري، من خلال تفاعلنا اليومي مع الطلاب والتحدث إليهم ومعاينة كيفية تفاعلهم معنا، أن نعطي معنى للمادة التعليمية ولمهنتنا أيضًا، وأن نعوّض النقص في المنهج التربوي ونردم الهوة التي تفصل هذا الجيل عن جامعته ووطنه ومستقبله، بقدر متواضع من الحضور الشخصي والإنصات والتفهم. أما الآن، وفي ظل استحالة التفاعل المباشر والتخبط في التعلم عن بُعد، أصبح الطلاب مجرد فئة غير مرئية ولا مسموعة، مجرد أسماء نراها على تطبيقات "زوم" و"مايكروسوفت تيمز" وخلافها. ولعل أخطر ما فعلته هذه الجائحة هو تجزئة مكونات مجتمعاتنا وتقسيمها إلى فئات تتواصل تقنيًا فقط من خلال شاشات بائسة. نحن بأمس الحاجة اليوم لإعداد خطة تربوية متكاملة طارئة، كي لا يخسر هذا الجيل نفسه ونخسره. ولا ينبغي التعويل على مؤسساتنا التربوية المهترئة، بل يجب أن نعمل في كل كلية على ابتداع حلول، ولو متواضعة، بهدف تخفيف الضغط عن طلابنا وابتكار طرق لحثهم على المثابرة، ولو كنا قلة قليلة. ما الذي يمنعنا من تخصيص جلسة حضورية أسبوعية على الأقل للتحدث إلى الطلاب الذين يعانون من صعوبات، كي نتعرف على مشكلاتهم في التحصيل العلمي ونحاول إيجاد حلول لها؟ ما الذي يمنعنا من التواصل مع زملائنا من الاختصاصيين النفسيين والتربوين لمتابعة الطلاب الأكثر هشاشة؟ ما الذي يمنعنا من الضغط الجماعي من أجل تحديث المنهج التعليمي ومحاولة تكييفه ليصبح صالحًا للتعلّم عن بُعد، بدلًا من اجتراره كما لو كنا نلقنه في القاعات؟ ما نحتاجه أكثر من أي وقت مضى هو الرحمة والرأفة بهذا الجيل، وتحمل مسؤولية مجتمعية ووطنية، قبل أن يفتت الانهيار الشامل جيل الشباب، آخر حجر في بناء مجتمعنا.