‎معدّلات الجرائم في لبنان: ارتفاعٌ قياسي!

رُصد ارتفاع مخيف في المعدّل الشهري لجرائم القتل، والخطف، والسرقة، والسلب، بين عام 2019 وآذار 2022، أي منذ تدحرج كرة الانهيار في لبنان. إذ ارتفعت نسبة جرائم القتل بنحو 100%، فيما زاد المعدّل الشهري لجرائم الخطف مقابل فدية ماليّة بنسبة بلغت 515%.

Image Credit: Marwan Naamani/Getty Images

على وقع أسوأ انهيار اقتصادي في تاريخ لبنان، يُسجَّل ارتفاعٌ كبيرٌ في معدّل الجرائم المرتكبة في مختلف المناطق في البلاد. ويُبرزُ هذا الارتفاع ضمورًا في فاعليّة الحماية القانونيّة من جهة، وفي قدرة شبكات الحماية الأمنية والاجتماعيّة على توفير الأمان للأفراد، الذين أصبحوا أكثر هشاشة وعرضة لخطر الموت أو الأذيّة، عن سابق تصوّر وتصميم، أو نتيجة صدفة بحتة.  

 معدلات الجرائم إلى ارتفاع كبير!

رُصد ارتفاع مخيف في المعدّل الشهري لجرائم القتل، والخطف، والسرقة، والسلب، بين عام 2019 وآذار من العام الحالي 2022، أي منذ تدحرج كرة الانهيار في لبنان. إذ ارتفعت نسبة جرائم القتل بنحو 100%، فيما زاد المعدّل الشهري لجرائم الخطف مقابل فدية ماليّة بنسبة بلغت 515%. أمّا المعدل الشهري للسرقات الموصوفة، فلامست نسبة ارتفاعه الـ 142%، فيما بلغت نسبة زيادة جرائم السلب 334%، وارتفع المعدّل الشهري لجرائم سلب السيارات على وجه الخصوص بنسبة 142%.
لا تعكس الأرقام المسجّلة بالضرورة عدد الحوادث التي وقعت بالفعل، بل المعلومات المُعلنة من جانب قوى الأمن الداخلي فقط. ويمكن لهذه الأرقام أن ترتفع أكثر إذا ما أٌضيفت الحالات التي لم يُبلَّغ عنها أو تلك التي لم تضبطها السلطات المعنيّة. وثمة قلق حول احتمال تسجيل المزيد من الارتفاع في الأشهر القادمة، ربطًا بالظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة المتدهورة.

 "نماذج" جرميّة

عاش الشارع اللبناني قبل أسابيع صدمة جريمة مروّعة وقعت في انصار، إحدى قرى جنوب لبنان، بعد مقتل ثلاث شقيقات مع أمّهن على يد خطيب إحدى الفتيات، الذي استدعى مواطنًا سوريًا لمساعدته على إتمام فعلته. ووُجّهت انتقادات إلى قضاة التحقيق الذين تابعوا القضية في البداية، لا سيما أن المشتبه به ظلّ حرًا طليقًا لأسابيع قبل أن يُلقى القبض عليه.
  يقول والد الفتيات في حديث لـ"أوان إن "الأجهزة المختصّة، بما فيها القضاء، تعاملت باستخفاف مع القضيّة في البداية"، ويضيف: "لو لم أتابع الأمر شخصيًا، لما كنت علمت بمكان دفن جثث بناتي وأمّهن. أما وأن التحقيق انتهى وتمّ تحويل الملف إلى المحكمة، فأطالب بإنزال حكم الإعدام حتى يكون هذا المجرم عبرة لغيره". ويوضح المدير العام لقوى الأمن الداخلي عبر المجلة الشهرية لقوى الأمن أن الأخيرة، برغم الصعوبات التي تواجهها، و"تدني رواتب عناصرها بأكثر من 90%، وعدم قدرة بعضهم أحيانًا على التنقل إلى مراكز خدمتهم، لا تزال تقوم بواجباتها المطلوبة بكلّ شفافية". ‎ويُظهر المعدّل الشهري لجرائم القتل في لبنان ازديادًا واضحًا، بحيث بلغ 18 حادثة، أي ضعف ما كان عليه في مراحل سابقة.

"معقول يكون صحيح؟ لم أكن أتوقع كارثة كهذه. شخصية الجاني لم تكن توحي بأنه قادر على ارتكاب جريمة من هذا النوع. كانت صدمة وفاجعة. أطالب الدولة بإنزال عقوبة الإعدام بحقه. الإعدام قليل جدًا". (والد الفتيات المغدورات في جريمة بلدة انصار جنوب لبنان)

السرقات الموصوفة: غياب القدرة على الردع

 "سُرقت دراجتي النارية مرّتين من أمام منزلي بطريقة محترفة. كنت أعتمد على دراجتي للعمل في مجال "الديلفري". وكان اعتمادنا عليها في المنزل بشكل أساسي لتلبية احتياجاتنا. لم أتقدّم بشكوى لأنّي أعلم أنها لن تأتي بنتيجة". (حسن، 21 سنة، من سكان طريق المطار/ضاحية بيروت الجنوبية) ما حصل مع حسن يتكرّر يوميًا مع عشرات اللبنانيين، وقد يقع الشخص نفسه ضحيّة الحادثة عينها أكثر من مرّة. ويتداول اللبنانيون يوميًا فيديوهات لعشرات الحوادث المتنقلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من نشل وسلب في الشوارع، وكمائن تُنصب للسيارات في الأحياء وعلى الطرقات الدولية، فضلًا عن عمليات اقتحام منازل بغرض السرقة. أصبحت هده الظواهر تهدّد الأمن الاجتماعي في البلاد، وتنذر بموجات فلتان قد تُفقد كثيرًا من المواطنين ثقتهم بأجهزة الدولة، وتدفعهم إلى اتخاذ إجراءات فرديّة لحماية أنفسهم.
بلغ المعدّل الشهري لجرائم السرقة 528 واقعة في العام 2022، بالمقارنة مع 134 جريمة شكّلت المعدّل الشهري في العام 2019، أي أن النسبة ارتفعت بنحو 142%.

أنواع جديدة من السرقات!

يشهد لبنان أنواعًا "مبتكرة" من السرقات، كسرقة أغطية الصرف الصحي، والأسلاك الكهربائية، وسائر المواد المصنوعة من حديد. فقد اقتُلعت فواصل الكورنيش البحري في مناطق مختلفة، وخُلعت أبواب الجبّانات وقُصّت أسوار الحدائق، فيما تُسرق الحقائب والهواتف من أيدي المواطنين في الشوارع. غير أن الحصّة الأكبر من السرقات طاولت الدراجات النارية والسيارات، أو قطع السيارات... لأنها تُباع بـ"العملة النادرة"، أي بالدولار. وقد ارتفع المعدّل الشهري لجرائم السلب (إذا ما استثنينا سلب سيارات) من 21 في العام 2019 إلى 51 في العام 2022. أمّا المعدل الشهري لعدد السيارات المسروقة والمسلوبة، فبلغ 109 بعدما كان العدد 60 عام 2019.

المواطن ضحية "عصابات الفدية"

على صعيد الخطف، سجّل العام 2022 قفزة خيالية في المعدل الشهري لعدد الحوادث التي أعلنت عنها قوى الأمن الداخلي. ففي حين كان المعدل الشهري 1.3 عام 2019، بلغ 8 حوادث خطف عام 2022، أي أكثر بنحو ستة أضعاف. أما السمة الأبرز لحوادث الخطف فتتمثل بطلب فدية مالية تبلغ آلاف الدولارات. ولا يميّز الكثير من الخاطفين بين ضحاياهم كما تفيد المعلومات، فبينهم نساء ورجال، ومنهم اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون، وبعضهم رجال أعمال وأطباء وأبناء عشائر، بل حتى أقارب مسؤولين لبنانيين.
  وبحسب "الشركة الدولية للمعلومات"، فإنّ الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة وما يتولّد عنها من ارتفاع في نسب البطالة، تشكّل أبرز أسباب الارتفاع في نسب الجرائم، علمًا بأنّ بيانات قوى الأمن الداخلي تفيد بأنّ نسبة كبيرة من الذين أُلقي القبض عليهم هم من الفئة الشابة، بعضهم من متعاطي المخدّرات الذين يموّلون من السرقة عمليّة شراء المواد المخدّرة. ‎وبرغم تنوع الأسباب الدافعة لارتكاب هذه الجرائم، فإن الخيط الرابط بينها، لا ريب، يتمثّل بالأزمة الاقتصاديّة التي جذبت معها إلى أسفل، قدرة أجهزة الدولة على القيام بواجباتها، بعدما كانت هذه القدرة منقوصة ومكبّلة جراء الفساد وسوء السياسات والأزمات المتتابعة قبل العام 2019، وصولًا إلى لحظة الانهيار الكبير.   * أُنجز هذا التقرير بدعم من “صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية” UNDEF ومنظمة “صحافيون من أجل حقوق الإنسان” Journalists for Human Rights.
التسرّب المدرسي في لبنان: جيلٌ على حافّة الضياع

تطالب "يونيسف" السلطات اللبنانية بـ"اتخاذ كلّ خطوة ممكنة لحماية جميع الأطفال في لبنان"، إذ إنّ "مستقبلهم...

فرح ناصر

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة