برامج الدعم الاجتماعي في لبنان: ما هي ثغراتها؟
كيف تؤثر موافقة البنك الدولي على تمويل شبكة الأمان الاجتماعي في لبنان بمبلغ 300 مليون دولار إضافي على توزيع المساعدات، في ظل كثرة الطلب والحاجة؟
كيف تؤثر موافقة البنك الدولي على تمويل شبكة الأمان الاجتماعي في لبنان بمبلغ 300 مليون دولار إضافي على توزيع المساعدات، في ظل كثرة الطلب والحاجة؟
أُدرج اسم يسرا ضمن المُسجّلين في برنامج "أمان" منذ عام ونصف العام، وكانت تستفيد في السابق من دعم جمعية "كاريتاس" الخيريّة. لا تمتلك يسرا سيارة أو وظيفة، وهي أم لخمسة أولاد، فيما زوجها يعمل بأجر يومي.
تروي يسرا معاناتها لتأمين الطعام لأطفالها. طوال سته أشهر، بالكاد كانت قادرة على تأمين ما يسدّ جوعهم. أما أولادها الأكبر، فيتنقّلون من الجامعة وإليها قاطعين كيلومترات سيرًا على الأقدام من بلدة القبة إلى الكورة.
منذ أن سجّلت اسمها، تتابع يسرى وضعها مع الوزارة، وتتلقى كلّ شهر الجواب عينه: سنتواصل معك في نهاية الشهر. وهي، إذ تشكو حالها، تلفت إلى واقع مزرٍ يعيشه كبار السن في المنطقة، إذ لا يحصلون على الطعام إلا في حال تبرع أحدهم به، وكثير منهم لا يمتلك هواتف ولا قدرة على الوصول الى شبكة "الإنترنت" للتسجيل في برامج الدعم.
وفي حين أن حال وليدة ليس أفضل، فهي أرملة ولديها ولدان، وتعاني من أمراض في القلب والأعصاب، فإنّ عارف يشكو من عدم قدرته من الاستفادة من أي دعم من الوزارة، علمًا بأنه مُقعد ويعاني من أمراض مزمنة، ويحمل بطاقة إعاقة منذ 32 عامًا.
يصف عارف وضعه بالصعب جدًا، وهو يبحث عن أي فرصة للمساعدة، فهو متزوج ولديه ثلاثة أولاد، ولا مُعيل لعائلته. وقد تقدّم العام الماضي للتسجيل في "برنامج دعم الأسر"، لكنّ أيّ تجاوب معه لم يحصل حتى اليوم.
الحالات المشابهة لتلك المذكورة كثيرة. لكن حتى الذين استفادوا من برنامج الدعم يعتبرون أن المساعدات التي يحصلون عليها قليلة ولا تلبي حاجاتهم، فالمبلغ الذي تتقاضاه أم حسن، على سبيل المثال، وهو 105 دولارات، يُصرف على شراء الدواء لها ولطفلها الذي يعاني من مرض الربو، فيما هي لا تُبصر بإحدى عينيها.
الطلب أكبر من القدرة
قبل أيام، وافق البنك الدولي على تمويل مشروع دعم شبكة الأمان الاجتماعي في لبنان بمبلغ 300 مليون دولار إضافي، "لتوسيع نطاق تقديم التحويلات النقدية للأسر اللبنانية الفقيرة والأكثر احتياجًا"، بعد إقراره في كانون الثاني/يناير 2021 دعمًا قدره 246 مليون دولار، وتمويلًا إضافيًا بقيمة 4 ملايين دولار في أيار/مايو 2022.
ويقول لنا مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية إن طلبات العائلات المُقدّمة ما زالت تُدرَس (والكلام قبل إقرار البنك الدولي حزمة الدعم الجديدة)، وإن طلبات جديدة تُقبل كلّ شهر. ويلفت إلى أن عدد الاستمارات المُقدّمة بلغ أكثر من 582 ألفًا، أُقصيَ أكثر من 36 ألفًا منها لأنها استمارات مُزدوجة، بالإضافة إلى نحو 8 آلاف لأن مُقدميها يستفيدون من "برنامج الأسر الأكثر فقرًا"، فيما عُلّقت استفادة أكثر من 114 ألفًا لعدم توفر المعلومات المطلوبة كافة.
ويضيف المصدر أن الوزارة تتفهم حاجة الناس الكبيرة للدعم، لكنها لا تمتلك موارد مالية كافية لتلبية الطلبات كافة. ويقول إن تقييم الطلبات المُقدّمة يحصل وفق آلية معتمدة من البنك الدولي، حيث الأولويّة للعائلات الكبيرة المؤلفة من ستة أفراد وما فوق، وتلك التي تضم أفرادًا قصّر أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو التي تعيش ظروفًا صعبة جدًا.
يُرجّح أن يؤدّي الاتفاق الأخير مع البنك الدولي إلى توسيع دائرة المستفيدين من المساعدات
كما أن مساحة المنزل ودخل العائلة يلعبان دورًا أساسيًا في تحديد المستوى المعيشي لها، علمًا بأن "آليّة الاختيار مُنظمة وقائمة على بيانات مفتوحة ومعروضة على منصة Impact". من هنا، ينفي المصدر إمكانية استغلال البرنامج لأغراض سياسية أو بغرض الرشوة، أو لإفادة من لا يستحق المساعدة، على اعتبار أنه خاضع لمراقبة البنك الدولي.
ويلفت إلى أن المساعدة غايتها تأمين الحاجات الأساسية من طعام وشراب، لكن لكلّ عائلة حريّة التصرف بها. إذ إنّ الهدف يتمثل بإعطاء 25 دولارًا للعائلة و20 دولارًا للفرد. فإذا كانت الأسرة مؤلفة من 6 أفراد، ستحصل على 145 دولارًا شهريًا كحدٍ أقصى، وهو مبلغ قليل، لكنه يُعين على تأمين بعض الأساسيات.
توسيع دائرة المستفيدين
التقارير والشكاوى التي تصل إلى مركز الاتصالات المخصص للبرنامج وعبر حسابات الوزارة على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر أن هناك فئات في مناطق الأطراف مثل عكار والهرمل والضنية، لم تتمكن من التسجيل بسبب التقدم في العمر وعدم توفّر خدمة الإنترنت أو آليات للتسجيل. بناء عليه، ستُستهدف هذه الفئة على نحو خاص عند فتح باب التسجيل مجددًا، وسيُطلب مع البلديات والجمعيات الأهلية المساعدة على إتمام ذلك.
ويُرجّح أن يؤدّي الاتفاق الأخير مع البنك الدولي إلى توسيع دائرة المستفيدين من المساعدات بحيث لا تبقى محصورة بـ 150 ألف عائلة، إلا أن قرارًا كهذا يحتاج الى موافقة مجلس النواب، علمًا بأن الاحتمالات الأخرى تترواح بين تمديد فترة البرنامج الحالي وزيادة المساعدات المقدّمة، أو خليط مركّب من الخيارات.
ويشير المصدر في الوزارة إلى ضرورة الفصل بين برنامج "أمان" وبين برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية لدعم الأسر الأكثر فقرًا، الذي بوشر به قبل 12 عامًا (واسمه المتداول "بطاقة الشؤون"). والأخير يقوم على آليات غير مُمكننة ويحتوي على الكثير من الشوائب ولا تُطبّق عليه معايير واضحة تضمن الفصل بين المحتاجين بحقّ من جهة والمدعومين من جهات نافذة من جهة أخرى. غير أن الوزارة تعمل اليوم على مكننة قاعدة البيانات لهذا البرنامج، وذلك لتسهيل طلبات المتقدمين، غير أن العملية هذه تستلزم وقتًا وجهدًا.
في تقرير صدر في شباط/فبراير 2023 بهدف تقييم برنامج "أمان"، حدّد البنك الدولي نتائج البرنامج قصيرة الأمد بمعالجة ضعف الأمن الغذائي، فيما تمثلت نتائجه طويلة الأمد بخفض معدلات الفقر وتعزيز القدرة على الصمود، وخفض التوترات الاجتماعية بين الطبقات الاجتماعيّة من جهة وبين اللاجئين ومضيفيهم من جهة ثانية، فضلًا عن خفض نسب انقطاع الطلاب عن التعليم.
فهل يتمكّن من تحقيق بعض ما يصبو إليه؟ وهل تحقيق هذه الغايات ممكنًا من دون ربطها بإصلاحات بنيويّة في الاقتصاد، تكون معها أكثر من مجرّد مساعدات على شكل إحسان؟
* أُنجز هذا التقرير بدعم من "صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية" UNDEF ومنظمة "صحافيون من أجل حقوق الإنسان" Journalists for Human Rights.