طعامُك المهدور يتسبّب بارتفاع حرارة الأرض

كل عام، يتم فقدانُ أو هدر ثلث إجمالي الأغذية المنتجة عالميًا. وهذه الكمية تكفي لإطعام 1.26 مليار جائع. أين مسؤوليتنا الفرديّة من ذلك؟

إن كنت تتذمر من احترار الكوكب، فكِّر في آخر مرة رميتَ فيها طعامًا انتهيت منه، أو لم يعجبك مذاقه. وإن كنت لا تعلم أنّ لهدر الطعام علاقة مباشرة بتغيّر المناخ، فقد يكون مفيدًا أن تتابع القراءة.

تستأهل مشكلة هدر الطعام أن يُخصَّص لها يوم للتوعية بها، ويكون فرصةً للحديث عن مسألة لا يُدرك الكثير منّا ضررَها. ولهذا، فقد اختارت الأمم المتحدة 29 أيلول/ سبتمبر يومًا دوليًا "للتوعية بالفاقد والمُهدر من الأغذية".

كلما رميتِ طعامًا أنتجتِ غازًا خطيرًا 

لنتخيل معًا رحلة ما تبقى من وجبة غدائك حين رميته في القمامة آخر مرة:

بعد أن وصل إلى مكبات النفايات وطُمر تحت نفايات أخرى، تحلّل في ظروف لا يتوافر فيها الأكسجين، ما خلق بيئة مؤاتية لنمو البكتيريا التي تُنتج غاز الميثان. والميثان هو من غازات الدفيئة (greenhouse gases) التي تساهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو أقوى من ثاني أكسيد الكربون بـ 80 مرة من حيث التسبّب بالاحترار إذا احتُسب أثره على فترة 20 عامًا.

ويشكل غاز الميثان الناتج من تحلل الطعام 1.6% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة التي يتسبب فيها الإنسان، وهي نسبة عالية بالنسبة لملوِّث واحد. ولهذا الغاز علاقة مباشرة بظاهرة تغيّر المناخ، إذ يُسهم بنسبة 16% في زيادة حرارة الكوكب.

لو كانت النفايات بلدًا

تُنتج الأغذية حول العالم ــــ بدءًا من عملية الإنتاج وصولًا إلى مرحلة الاستهلاك ــــ نحو ثلث إجمالي انبعاثات غازات المسبّبة للاحترار، بحسب دراسة نشرتها مجلة Nature Food عام 2021. وهدرُ الطعام وحده مسؤول عن نحو نصف هذه الانبعاثات، وفق دراسة أخرى نُشرت مطلع هذا العام على الموقع نفسه. 

ومن الفاقد والمُهدَر من الطعام، تُولِّد الولايات المتحدة وحدها انبعاثات غازات دفيئة تعادل انبعاثات 32.6 مليون سيارة، بحسب منظمة The World Wide Fund for Nature، والبصمة الكربونية لمخلفات الطعام فيها تفوق البصمة التي يخلّفها قطاع الطيران، وفقًا لصحيفة The Washington Post.

وإذا اعتبرنا، في شطحة خيال، أن النفايات الغذائية العالمية دولة، فستكون هذه الدولة ثالث أكبر مصدِّر لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، علمًا أنّ "هدر الطعام" لا يعني هدر الطعام وحده، بل يعني هدر جميع الموارد التي أسهمت في عملية إنتاجه من مياه وطاقة وأراض وغير ذلك. 

إذا وُزِّع الطعام المُهدر في شاحنات

كل عام، يتم فقدانُ أو هدر ثلث إجمالي الأغذية المنتجة عالميًا، أي ما يعادل نحو 1.3 مليار طن، بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وهذه الكمية تكفي لإطعام 1.26 مليار جائع كل عام.

وفي العام 2019 تحديدًا، أُهدِر 17% (نحو 931 مليون طن) من إجمالي المواد الغذائية المتاحة للمستهلكين. وإذا كان لنا أن نتخيل هول الرقم المذكور، فإنه يعادل 23 مليون شاحنة محمّلة بالكامل تبلغ سعتها 40 طنًا. وإذا اصطفت هذه الشاحنات الواحدة تلو الأخرى، فهي كفيلة بإحاطة كوكب الأرض سبع مرات!

من المسؤول الأول عن هدر الطعام؟

من يتحمل مسؤولية كلّ ذلك؟ هل هي المطاعم؟ أم محلات بيع المواد الغذائية؟ أم المصانع؟ 

المسؤول، للأسف، هو نحن! فالأسر أو المنازل هي المسؤولة في المقام الأول عن هدر الطعام في العالم. وبالمنطق المعاكس، لدينا، بوصفنا مستهلكين، إمكانية الإسهام بشكل رئيسي في تقليص نسب هدر الطعام بسبل منها الاستهلاك الرشيد أو تجميد الطعام أو وَهبه لمحتاج.

فتقرير مؤشر نفايات الأغذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2021 يفيد بأن المنازل تهدر 11% من إجمالي المواد الغذائية المتوافرة في مرحلة الاستهلاك، تليها مرافق الخدمات الغذائية بنسبة 5%، ومن ثم محلات البيع بالتجزئة بنسبة 2%. وعلى سبيل المثال، تهدر الأسرُ في أوروبا 53% من أطعمتها، تليها كندا بنسبة 47% والولايات المتحدة بنسبة 48%.

من هو البلد العربي الأكثر هدرًا للطعام؟

تتصدر مصر والعراق والسودان والسعودية قائمة البلدان العربية من حيث كمية الطعام المهدر في المنازل. لكن إذا نظرنا في نصيب الفرد السنوي من هدر الطعام على مستوى الأسر، تبين لنا أن البحرين والعراق تتصدران القائمة فعليًا.

قد يبدو لك أن الضرر الناجم عن هدر الطعام محدود، أو أن هدر الطعام هو مسألة أخلاقية أو دينية بحتة، على اعتبار أن هناك ملايين الفقراء في العالم ممّن يحتاجون الغذاء ولا يحصلون عليه. وقد يبدو لك أيضًا أن البلاستيك هو الآفة الكبرى في مسألة النفايات. 

لكنّ الواقع أن لهدرك الطعام أضرارًا خطيرة تتعدى تبذير الأموال التي أنفقت في شرائه، وتتساوى إلى حد ما مع استهلاكك المفرط للبلاستيك على سبيل المثال. والتوقف عن هدر الأغذية أو الحد منها خطوة تتطلب موقفًا شجاعًا والتزامًا على المستوى الفردي. 

طبعًا، تُلام الدول المصنعة والشركات الكبرى على إسهامها الكبير في تغيّر المناخ. لكن لمَ لا نبدأ بالقليل من التغيير في منازلنا؟

لبنان على حافة الإجهاد المائي

أزمة المياه في لبنان لا يُمكن أن تُعزى إلى التغيّر المناخي وحده، لكنّ هذه الظاهرة فاقمت حتمًا حالة قطاع ذ...

غيدا البردان
عن نازحي المناخ في منطقتنا

الكثير من دول العالم العربي يعاني من هشاشةٍ في البنى التحتية، وضعفٍ في إدارة الموارد وفي سياساتِ الحماية...

غيدا البردان
مشروع Nimbus: تكنولوجيا Google وAmazon في خدمة الاحتلال

قوبل مشروع Nimbus، منذ الإعلان عنه، بتخوف من جانب موظفي Google وAmazon المتعاقدتين مع إسرائيل بسبب محدودي...

غيدا البردان

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة