"فيك تعلّمنا كيف منعمل شوكولامو؟".
ساخرًا سألني شابٌ سوري في مقهى هنا في ألمانيا حين قدّمني صديقي إليه: "ماهر لُبناني".
فجأةً، أصبحتُ، في هذه اللحظة، ممثّل اللبنانيين وبالتالي العنصريين تجاه السوريين تحديدًا. وكأنّني، وجميع من في لبنان، نضال الأحمديّة ــــ الإعلامية التي نشرت قبل عام فيديو عنصريًا (فقط؟) تسخر فيه من عامل سوريّ في لبنان لا يعرفُ ما هو "الشوكولامو" ولا يجيد لفظه باللبنانية (الفرنسية).
نادى الشابّ رفيقه ليسألني: "وفيك تعلّمنا كيف بيعملوا تبّولة؟". لم أكن جاهزًا لهذا الدور في رحلتي هنا. ولا أعرفُ ما في الشوكولامو أيضًا.
"الشوكولامو" بحسب ما تطلبه الأحمديّة وأمثالها هو خليط من العنصريّة تجاه السوريّين وما يتخطّاها وربّما ما يسبقها: النظرة إلى "أدنى". وجاء الردّ عليها من الوسط الفني والإعلامي السوري ليعلّق على لفظ الكلمة ومستوى الثقافة وإجادة لغات عديدة (ما يرمزُ إلى مستوى "أعلى")، لا ما تحملُ الكلمة في طيّاتها.
إذًا، المشكلة مع من لا يلفظُ الكلمة بـ"اللبنانيّة".
* * * *
أحاول مرارًا وبشكل تلقائيّ إخفاء لهجتي عند لقائي بمعظم السوريين في محلات البقالة والمطاعم، لأتجنّب إشعارهم أو تذكيرهم بعنصرية سابقة ربّما تعرّضوا لها في لبنان. كأنّ الواحدَ منّا يشعر بحذر تجاه الآخر. أيّ كلمة قد تكون "كاشفة".
يخبرني شابّ آخر عن عمله السابق في متجر خضار في ميفدون قرب النبطيّة ومن ثمّ في بيروت ــــ بنبرة متردّدة هدفها طمأنتي ــــ أنّ تعامل صاحب المتجر كان جيدًا. ويقتطع فصلًا من الحكاية ليصل بها إلى ألمانيا، تجنّبًا لأيّ حادثة تعيُدني إلى دور ممثّل العنصرية.
تصبح لهجتي أحيانًا مصدر قلق لمن أصادفهم، وأُصبح في موقع الدفاع ومحاولة الطمأنة: لا لستُ منهم!
ومن هم أولئك؟ الموضوع أكثر تعقيدًا. ولكن لا مكان لتفصيله في اللقاءات السريعة. إنه امتحانٌ سريع، وأحيانًا امتحان دخول: إمّا تمثيلُ اللبنانيين هؤلاء أو "لبناني بس منيح".
وقد خضعتُ، بشكل غير مباشر، إلى امتحانات كثيرة من دوائر رفاق أو جلسات تعارف.
* * * *
طلب منّي شابّ صغير مساعدة في بداية رحلة اللجوء حين عرف أنّني ناطق باللغة نفسها: العربيّة. وحين اتّصل بوالدته في دمشق، أخبرها أنّ شابًا لبنانيًا ساعده وأرفقها مسرعًا "بس منيح". إنّها المرّة الوحيدة التي استُثنيت منها.
نعيش والسوريّين حالات استثناء. سمعت الجملة نفسها حين أخبرتُ أحدًا في لبنان أنّ من ساعدني هنا سوريّ: "في منّن مناح".
الشوكولامو ليسَ خليطًا من العنصرية في سياق النزوح السوري فقط، بل خليط ذو مكوّنات تاريخيّة
الموضوع أكثر تعقيدًا من استثناء فرديّ، ولا مساحة لتفصيله في الاتّصالات السريعة.
في اليوم نفسه لهذه الحادثة، أصدرت بلديّة القرية التي ولدت فيها بيانًا يضع السوريّين تحت طائلة المسؤولية في حال تحرّكهم ليلًا. يأتي هذا البيان ضمن عشرات البيانات التي تصدرها القرى لتتحكّم بحركة للنازحين: "يمنع التجوّل من الساعة 10 ليلًا وحتى السادسة صباحًا".
لا منطق في العنصريّة المباشرة، فالخليط ــــ مجدّدًا ــــ أكثر تعقيدًا.
بعد الحملة العنصرية الأخيرة والأعنف في لبنان ضدّ النازحين السوريين، أصبحَ الوضع مخيفًا للكثير منهم، ومُحزنا للسوريين هنا. في الصورة المباشرة، التعميم طبيعيّ ومفهوم ومحزن، وكذلك الامتحانات.
* * * *
لنعد إلى خليط "الشوكولامو".
في الأيّام نفسها التي أطلق فيها تلفزيون الـ "أم تي في" في لبنان حملته العنصريّة على الشاشة، الداعية إلى ترحيل النازحين السوريين من لبنان: "تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان"، بُثّت حلقة لأحد البرامج يستضيف فيها مغنيّا سوريًا يُدعى ــــ للمفارقة ــــ "الشامي".
ليس كلّ "شاميّ" ضررًا، إذًا.
قبل أعوام، شنّ تقرير مصوّر للمحطة التلفزيونيّة نفسها حملة على المسلسل السوري "غدًا نلتقي" الذي يتناول قصصًا عن لاجئين سوريين في لبنان. اعترض التقرير على مشاهد عدّة، أهمّها ما رأوا فيه تلويثًا لصورة "أيقونة لبنان" فيروز.
كيف تجرأت البطلة (النازحة السورية التي تغسل الموتى) أن تعبّر عن عدم حبّها لفيروز (لأنّ أغانيها تذكّرها بالاستيقاظ الباكر للذهاب إلى المدرسة)؟
يشجب التقرير أيضًا مشهدًا آخر يُظهر عنصرية سائق "فان" لبناني تجاه نازح سوري. عنصرية لا تعرفها القناة التلفزيونيّة هذه!
في الفترة نفسها، عرضت القناة مسلسلات عدّة أبطالها سوريّون، وكانت الفرقة الموسيقيّة لأحد البرامج سوريّة، ومعظم أعضائها نازحون سوريون. هل اختفت العنصرية هنا بسبب عزف الفرقة لأغاني الأيقونة؟
الشوكولامو، إذًا، ليسَ خليطًا من العنصرية في سياق النزوح السوري فقط. هو خليط ذو مكوّنات تاريخيّة، واللهجة اللبنانيّة التي تحدّثت عنها الأحمديّة (وتقصد اللغة الفرنسيّة) هي مكوّن أساسيّ فعلًا. ربّما هي فكرة عن نظرة "الدولة الأوروبيّة الحديثة" إلى "أدنى".