بعد عام على عملية 7 أكتوبر، خاض كثيرون في نقاش حول نتائجها بهدف الحصول على إجابات قاطعة، كما لو أن المسألة عبارة عن اختبار في الرياضيات: هل تؤيد 7 أكتوبر أم ترفضها؟ وهل تؤيّد قتل المدنيين وتدافع عن الإرهاب أم لا؟
بإمكان المرء، بكل أريحيّة، أن يقول إنه يعارض قتل المدنيين، بل بإمكانه أن يقول إنه لا يؤيّد المقاومة المسلحة طالما أن المقاومة المدنية قادرة على تحقيق الأهداف نفسها ولو بمدى زمني أطول.
غير أن الإجابة على سؤال 7 أكتوبر وردت على لسان الأمين العام للأمم المتحدة نفسه، لا أمين عام واحد من تنظيمات المقاومة، ومفاد هذه الإجابة أن الحدث المذكور لا ينبغي تقييمه باعتباره منفصلًا عما قبله، فهو ليس نقطة بداية بل فصلًا في مسلسل ممتد منذ 76 عامًا.
وإذا كان البعض يختلف مع فصائل المقاومة من "حماس" إلى "حزب الله" ويعتبرها "متطرّفة"، فينبغي عليه قبل ذلك أن يحدّد المسؤول عن إجهاض مشاريع التسوية السلمية على مدار نحو نصف قرن.
لقد اندلعت انتفاضة الحجارة الشعبية عام 1987، ونالت تعاطفًا عالميًا غير مسبوق، وأدّت ـــــ مع غيرها من الأحداث ـــــ إلى إطلاق مسار سياسي أسفر عن التوقيع على "اتفاق أوسلو" عام 1993، الذي سمح بعودة "منظمة التحرير" إلى الضفة وغزة وإقامة السلطة الفلسطينية، مع وعد بتحويل الحكم الذاتي في منطقتي (أ) و(ب) في الضفة والقطاع إلى دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشرقية.
لكنّ إسرائيل دمّرت "أوسلو" وضاعفت من حجم المستوطنات في الضفة، ما سمح برفع عدد المستوطنين من 115 ألفًا عشيه التوقيع على الاتفاقيات إلى 700 ألف الآن.
من هنا، لا يعود السؤال الجدّي متمحورًا حول الموقف من 7 أكتوبر، بل هل كان المشروع الإسرائيلي يسير في اتجاه حل سلمي، وجاءت أكتوبر لتبعده عن هذا المسار؟
يقينًا أن المشروع الإسرائيلي لم يكن يسير في هذا الاتجاه. لقد رفضت غالبية النخب الإسرائيلية حلّ الدولتين، بشكل خاص منذ أرييل شارون حتى نتنياهو، ولم تحترم الحكومات المتعاقبة ما وقّعت عليه من اتفاقات، وأصبح التوسّع الاستيطاني يمثّل سياسة حكومية ممنهجة.
أما الفارق بين ما قبل 7 أكتوبر وما تلاه فيمكن اختصاره بالمسار الذي قرّرت أن تسلكه دولة الاحتلال. إذ عوضًا عن السير ببطئ نحو شرعنة الاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية، وبالتالي إجهاض حل الدولتين، من دون الحاجة بالضرورة إلى إيقاع عدد هائل من الضحايا خلال زمن قياسي، تعاملت مع 7 أكتوبر بوصفه فرصة لإخراج الوحش الكاسر من أعماقها، وارتكاب جرائم إبادة جماعية تعيد إلى الأذهان فظائع الحرب العالمية الثانية.
إن تقييم 7 أكتوبر يجب أن يكون مرتبطًا بما جرى قبله. أما إدانة خيار المقاومة المسلحة فواردٌ لو أن هناك إشارة واحدة أعطتها إسرائيل على مدى ثلاثين عامًا بأنها ساعية إلى الحل، وبأن نخبتها السائدة قابلة به حقًا.
وإنّ من يتحمّل مسؤولية المجازر الجارية هي إسرائيل، ليس فقط لأنها الجهة التي تقتل وتهجّر، بل أيضًا لأنها المسؤول الرئيس عن فشل مسار التسوية السلمية، وقد عبّدت بذلك الطريق إلى 7 أكتوبر.