البرامج الانتخابيّة أم شدّ عصب الناخبين: أيّهما أكثر فعاليّة؟

قد تظهر نتائج الانتخابات مدى قدرة البرامج الانتخابية على التأثير في خيارات الناخبين، وربما محدوديّة هذا التأثير، في ظلّ استمرار قدرة الأحزاب "التقليديّة" على شدّ عصب مؤيّديها. لكنّها، في المقابل، قد تعين على تحقيق خروق انتخابية من خارج "النادي السياسي التقليدي"، في قلب العاصمة بيروت.

ساعات تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي الذي سيختار فيه اللبنانيون ممثليهم في البرلمان. وفي حين ينظر كثر إلى المحطة الانتخابية الراهنة بصفتها انعكاسًا لمعارك حول برامج وعناوين أفرزتها انتفاضة 17 تشرين، يرى البعض الآخر أن معظم البرامج المطروحة تفتقد إلى شرح وافٍ لآليات تسمح بتنفيذها. بلغ عدد مرشحي هذه الدورة 1043 مع إقفال باب الترشّح، قبل أن ينخفض إلى 718 إثر انسحاب 42 مرشحًا وسقوط ترشيح 284 آخرين لعدم انضوائهم في أي لائحة، علمًا بأن العدد الإجمالي للمرشحين وصل إلى 976 عام 2018. وتشهد دائرة بيروت الثانية واحدةً من أبرز المعارك الانتخابية، حيث يبلغ عدد الناخبين فيها 371020، أي ما نسبته نحو 10% من مجموع الناخبين في لبنان، وتضم 11 مقعدًا نيابيًا موزّعًا على عددٍ من الطوائف، بينها ستة للطائفة السنية، واثنان للطائفة الشيعية، ومقعد واحد للدروز، وآخر للإنجيليّين، ومثلهما للروم الأورثوذكس. وقد أحدث غياب "تيار المستقبل" برئاسة سعد الحريري عن الانتخابات هذا العام إرباكًا على "الساحة السنية"، الأمر الذي حوّل هذه الدائرة إلى محطة نزاع بين القوى السياسية الأخرى، التي يسعى كلٌّ منها إلى إثبات قدرته على استقطاب الناخبين، خصوصًا المتردّدين منهم، بعدما كانت الدائرة هذه تشكل قلعة لـ"تيار المستقبل" منذ أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري.
ويتسابق اليوم في دائرة بيروت الثانية 79 مرشحًا يتوزعون على 9 لوائح، بعد إعلان لائحة "مدينتي" انسحابها من المعركة، علمًا بأن عدد المرشحين في الدائرة عام 2018 كان 84 مرشحًا، توزّعوا على 10 لوائح. وبلغت نسبة المرشّحين للمقاعد المخصّصة للنوّاب السنّة 56% من مجموع مرشحّي الدائرة، في مقابل 16.4% للمرشحّين للمقاعد الشيعيّة، و10% للمقاعد الدرزيّة، و8.8% للمقاعد الإنجيلية، ومثلهم لمقاعد الروم الأورثوذكس. وبرغم كثرة اللوائح الانتخابية والمرشحين، إلا اننا نلحظ شحًّا في الآليات المطروحة لتنفيذ البرامج الانتخابية، وفي بعض الأحيان غيابًا لبرامج واضحة أيضًا.
ويُفترض بالبرنامج الانتخابي أن يقدّم خطة عمل يوضح المرشّح من خلالها الأهداف والمشاريع التي يسعى لإنجازها أثناء فترة توليه منصبه، ويشخّص عبرها المشكلات المتعلّقة بالشأن العام ويقدّم حلولًا لها، ويسعى عبر عرضها على الناخبين إلى كسب أصواتهم ونيل الثقة لتمثيلهم في البرلمان. تقدم هذه المادة بإيجاز أبرز البنود التي تنطوي عليها البرامج الانتخابية للوائح المرشحة في دائرة بيروت الثانية، علمًا بأن لوائح مثل "وحدة بيروت"، و"هيدي بيروت"، و"لتبقى بيروت"، و"بيروت تواجه"، أحجمت عن الإعلان عن برامج انتخابية صريحة.
  •  القطاع المالي والنقدي:
خصّصت 3 لوائح ("بيروت التغيير"، و"بيروت بدها قلب"، و"قادرين") بنودًا حول السياسات النقديّة والحلول المقترحة لوقف مسلسل الانهيار المالي في لبنان. إذ أدرجت لائحة "بيروت التغيير" (التي تطرح نفسها ممثلة لـ"المجتمع المدني") في برنامجها قسمًا بعنوان "في العدالة الاجتماعية والاقتصادية وسياسات لوقف الانهيار"، قدّمت فيه رؤية عامّة تحمل دعوة إلى إعادة هيكلة وهندسة النظام النقدي، عبر إلغاء قانون السرّية المصرفيّة وفرض "الکابتل کنترول" للمرحلة الأولى، مع تحييد صغار المودعين وأصحاب الدخل المحدود عن تحمّل خسائر القطاع المصرفي. أما "لائحة بيروت بدها قلب" (التي يقودها النائب ورجل الأعمال فؤاد مخزومي) فأدرجت في برنامجها قسمًا بعنوان "إعادة الثقة بالقطاع المالي والنقدي"، اقترحت فيه تعديل القانون الذي يرعى إنشاء المصرف المركزي وعمله، وإجراء تدقيق مالي وتحقيق جنائي في بيانات المصرف المركزي والوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى، بالإضافة إلى تحديد مدة ولاية رئيس المصرف المركزي ونائبه بأربع سنوات قابلة للتمديد لمرة واحدة فقط. في المقابل، تُفاخر لائحة "قادرين" (ممثلة حزب "مواطنون ومواطنات في دولة" الذي يقوده الوزير السابق شربل نحاس) باعتمادها برامجًا انتخابيًا موحدًا لدوائر لبنان كافّة، وتقترح في باب السياسات الماليّة "إعادة هيكلة النظام المصرفي على نحوٍ يتلاءم والوظائف التي يحتاج إليها المجتمع، وذلك قبل انتهاء أيّ تفاوض مع الدائنين" على أن يترافق ذلك "مع تحميل أصحاب المصارف، كل بحسب وضعيته المالية ومسؤولياته، تبعات إساءة الأمانة تجاه المودعين".
  • اللامركزيّة الإداريّة:
تدعم لائحة "بيروت التغيير" إقرار قانون دستوري حول اللامركزية الإدارية والاقتصادية الموسّعة، بينما تعتبر لائحة "قادرين" الطرح مجرّد علاج لعوارض، لا يقدّم حلولًا جذريّة للأزمات البنيويّة في لبنان، لأنه يغذّي دور الزعيم الطائفي في منطقته. غير أن "قادرين" ترى في برنامجها أن اللامركزيّة يمكن أن تنتج حلولًا بنّاءة في حال توافر ثلاثة شروط: أوّلها أن تقوم اللامركزية على المقيمين فعليًا في مناطقهم (لا الذين ينحدرون منها فحسب)، وثانيها أن تكون هذه الوحدات الجغرافية متوازنة بين مواردها وحاجات سكانها، وثالثها أن تكون الدولة التي تتولى رسم السياسات العامة وتوزيع المهام في هذه الوحدات فاعلةً وقادرة (لا الأحزاب الطائفية أو "قوى الأمر الواقع").
  • مكافحة الفساد:
اعتبرت لوائح "لبيروت" ("المشاريع الخيرية الإسلامية "- "الأحباش") و"بيروت التغيير" و"بيروت بدها قلب" أن الحوكمة الإلكترونية هي إحدى الوسائل المهمة في مكافحة الفساد، وأن تكلفتها غير مرتفعة، إذ إنها تسمح بتأمين الخدمات للمواطنين من دون الحاجة إلى تواصل مباشر بين موظف حكومي وصاحب معاملة. ونصّ برنامج "بيروت التغيير" على الحاجة إلى إخضاع ملفات الفساد للمحاكمة والمحاسبة على أساس تطبيق قانون "الإثراء غير المشروع" وقانون العقوبات والتشريعات المتعلقة بتبييض الأموال.
  • القطاع التعليمي:
خصّصت لوائح "قادرين" و"بيروت التغيير" و"بيروت بدها قلب" بنودًا في برامجها تتعلق بالسياسات التربويّة والمناهج التعليميّة في لبنان. إذ دعت لائحة "قادرين" إلى تغطية تكاليف التعليم في المدارس الخاصّة المتعاقدة، مقابل التزامها بمنهج واحد وبشروط تسهّل الاندماج الطبقي والطائفي. أما لائحة "بيروت التغيير"، فطرحت القيام بإصلاحات بنيويّة في هيكلية وزارة التربية وعلاقتها بـ"المركز التربوي للبحوث والإنماء". فيما آثارت لائحة "بيروت بدها قلب" في برنامجها التركيز على الحاجة إلى تعزيز موارد المدارس الرسمية. وفي ما يتعلّق بالجامعة اللبنانية، اتفقت لائحتا "بيروت بدها قلب" و"بيروت التغيير" على ضرورة تأمين استقلالية الجامعة الوطنيّة وإزالة هيمنة "أحزاب الطوائف" عنها.
  • حقوق الإنسان:
تناول برنامجا "بيروت التغيير" و"بيروت بدها قلب" قضايا حقوقيّة عدّة. فبرنامج "بيروت التغيير" أبرز أهميّة سياسات الحماية الاجتماعية الشاملة التي "تحمي اللبنانيات واللبنانيين والمقيمات والمقيمين من التهميش والاستضعاف، وتعزز صمودهم في وجه الظروف الراهنة، ومنها تأمين البطاقة التموينية والسكن الاجتماعي"، فضلًا عن تطبيق قانون 220 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وشرعة حقوق الإنسان من حيث حماية جميع اللبنانيين وغير اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، خصوصًا في ما يتعلق بحرية التعبير والجندر والتنقل، بالإضافة إلى متابعة إقرار قانون الإعلام وتعديل بنوده بما يحقّق حرية التعبير. أما لائحة "بيروت بدها قلب" فركّزت على الحاجة إلى مكافحة العنف المبني على التمييز بين المرأة والرجل، إلى جانب تعديل قوانين الأحوال الشخصية لضمان حقوق المرأة، وتحديد سن الزواج القانوني بـ 18 سنة، بالإضافة إلى تعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي والاقتصادي وفي الإدارات العامة.
  • استقلالية القضاء:
دعت لائحة "بيروت بدها قلب" إلى إقرار قانون لاستقلالية القضاء، يُخرج السلطة القضائية من وصاية أي سلطة دستورية أخرى، خصوصًا الطرف المخوّل منها تعيين القضاة وتحديد مرتباتهم، وكذلك إلى حماية التحقيق الأوّلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت. أما لائحة "بيروت التغيير"، فطالبت بالعمل على تعديل الدستور من أجل إضافة باب خاص يكرّس السلطة القضائية أسوة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وأكدّت دفاعها عن تحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت لأهالي الضحايا والمتضررين المباشرين وغير المباشرين، فضلًا عن دفع التعويضات وتفعيل الضمان الصحي الشامل لمن أصيبوا بإعاقات جراء الانفجار.

لوائح قويّة من دون برامج

وبرغم عدم اهتمام لائحة "وحدة بيروت" بإطلاق برنامج انتخابي صريح، إلا أن اعتمادها على تحالف "حزب الله" و"حركة أمل" يُتوقّع أن يمنحها مقاعد انتخابية عدّة، على اعتبار أنها تمتلك قاعدة انتخابية وقدرة تجييريّة لا يستهان بهما، خصوصًا مع خلو دائرة بيروت الثانية من المهيمن التقليدي عليها، أي "تيار المستقبل"، في حين تتنافس لائحتا "بيروت تواجه" المدعومة من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة و"هيدي مدينتي" برئاسة رئيس نادي "الأنصار" لكرة القدم نبيل بدر على الكتلة التصويتيّة التي تصبّ في العادة لـ"المستقبل"، أو على الأقل لمن سيحجم من هذه الكتلة عن تلبية رغبة الحريري بمقاطعة الانتخابات. ولعلّ نتائج الانتخابات ستظهر مدى قدرة البرامج الانتخابية على التأثير في خيارات الناخبين، وربما محدوديّة هذا التأثير، في ظلّ استمرار قدرة الأحزاب "التقليديّة" على شدّ عصب مؤيّديها. لكنّها، في المقابل، قد تعين على تحقيق خروق انتخابية من خارج "النادي السياسي التقليدي"، في قلب العاصمة بيروت.   * أُنجز هذا التقرير بدعم من “صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية” UNDEF ومنظمة “صحافيون من أجل حقوق الإنسان” Journalists for Human Rights.
ما هي أشكال التمييز ضد ذوي الإعاقة في لبنان؟

ضَمن القانون اللبناني حقّ الأشخاص ذوي الإعاقة بالعلم، والعمل، والصحة، والتنقل، وغير ذلك من الحقوق، وأوجب..

فريال دكاك

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة