الحلقة التاسعة من #زعمة: التحقق من المعلومات

يدقّق هذا التقرير في المعلومات الواردة في الحلقة التاسعة من برنامج "زعمة" الذي تنظمه مبادرة "مناظرة" ويُبث على عدد من الشاشات التونسية.

عرضت قناة "الحوار التونسي" إلى جانب عدد من القنوات التلفزية والإذاعية التونسية الأخرى مساء الأحد 29 نوفمبر 2021، الحلقة التاسعة من برنامج ''زعمة'' (يا تُرى بالعامية التونسية)، الذي تنظمه مبادرة "مناظرة". وكان موضوع هذه الحلقة "خوصصة المؤسسات العمومية التونسية"، وحملت عنوان "زعمة يلزمنا نخوصصو المؤسسات العمومية؟”. أدار الإعلامي التونسي الياس الغربي هذه الحلقة، وتكوّن الفريق المساند للأطروحة من آية النقزاوي، طالبة ماجستير بحثي في القانون الخاص، إلى جانب أستاذ العلوم الاقتصادية الحبيب زيتونة، بينما ضم فريق المعارضة محمد منير أولاد بليل، وهو رئيس مؤسس لجمعية ''كُن الفن'' ومدرب تنمية ذاتية، إلى جانب الأستاذ الجامعي المختص في العلوم الاقتصادية مصطفى الجويلي. في مداخلة لها قالت آية النقزاوي إن خسائر الدولة التونسية اليوم جراء دعم المؤسسات العمومية بلغت 11 مليار دينار، وهو رقم مضلّل جزئيًا، برغم أنه ليس بعيدًا عن تقديرات الخبراء الاقتصاديين. إذ، بالاستناد إلى ما جاء في التقرير حول المنشآت العمومية الصادر عن وزارة المالية التونسية لسنة 2020، تجاوزت الخسائر والإعانات المالية للمنشآت العمومية مستوى الـ 9.31 مليارات دينار (من دون أن يحدّد التقرير رقم 11 مليار دولار(. أضافت النقزواي أن الدولة التونسية قامت سنة 2016 بدعم المؤسسات العمومية بما يقارب 2102 مليون دينار تونسي، وهو ادعاء صحيح بحسب التقرير حول المنشآت العمومية الصادر عن وزارة المالية التونسية لسنة 2020، لكنها أخطأت في رقم دعم الدولة للمنشآت العمومية لسنة 2018، حيث بلغ 5139،4 مليون دينار، وليس 5193 كما أشارت النقزاوي. وقالت النقزاوي إن التفويت في المؤسسات العمومية وخوصصتها يمكّنان من تطوير الأسواق المالية وترفيع المعاملات وتدوير الأسهم. وبالتحري من هذه المعلومة، تبيّن أنها مضللة جزئيًا، حيث أن الخوصصة لا تمثل الطريق الوحيد لإدراج المؤسسات في البورصة، إذ بالإمكان تسجيل المؤسسات العمومية التي تمتلك الدولة جزءًا من رأسمالها في البورصة أيضًا. وقد أكد مدير عام بورصة تونس بلال سحنون أن "إدراج المؤسسات العمومية ضمن بورصة تونس سيساهم في دعم الاقتصاد الوطني [...] وهناك العديد من المؤسسات العمومية القادرة على الدخول في البورصة بعد دراسة الوضعية حالة بحالة، ومنها الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد والشركات العاملة في البترول والاتصالات وغيرها"، وهو ما يجعل هذه المؤسسات قادرة على الاكتتاب في رأس المال العام، أي الاقتراض أو البحث عن مستثمرين إضافيين من دون اللجوء إلى ميزانية الدولة، وفق ما صرح به مدير عام بورصة تونس لإذاعة شمس أف أم بتاريخ  28 ديسمبر 2020. أضافت النقزاوي أن المؤسسات العمومية لا تقوم بدور إيجابي في عمليّة الإنتاج، وضربت مثالًا على ذلك حول صناعة الفولاذ، قائلة إن "المؤسسة العمومية في قطاع الفولاذ تنتج 20 ألف طن من مجموع 200 ألف طن وجب إنتاجها، في حين أن مؤسسة خاصة في القطاع نفسه تنتج 400 ألف طن". ونتيجة التحقّق من هذه المعلومة، تبيّن أن التصريح مضلّل، على اعتبار أن تقادم معدات إنتاج الشركة التونسية لصناعة الحديد والفولاذ وتآكلها، أديا إلى توقف وحدات الإنتاج وعدم استغلال طاقة الإنتاج المتاحة، بحيث ظلت نسبة الاستغلال دون مستوى 50% (وليس في حدود 10% من الإنتاج كما أفادت النقزاوي)، وفق ما جاء في التقرير حول المنشآت العمومية.

المعارضة

تدخل محمد منير أولاد بليل لتقديم الحجج المقابلة لخوصصة المؤسسات العمومية، مشيرًا إلى أن شركة فسفاط قفصة تشغل 27 ألف عائلة، وهو تصريح مضلل جزئيًا، لأن قطاع الفسفاط هو الذي يشغل هذا العدد على وجه التقريب، فيما تشغل الشركة 7 آلاف عون فقط، بالإضافة إلى تشغيل بعض الفروع الأخرى لعدد من الأعوان على غرار شركات البيئة والغراسة وشركة نقل المواد المنجمية، بما مجموعه 14 ألف عون، إضافة إلى تشغيل المجمع الكيميائي التونسي لـ 17 ألف عون وفقًا لما صرح به المكلف بالإعلام في شركة فسفاط قفصة علي هوشاتي لكاتب هذا التقرير.

النقاش 

في النقاش، تم التعرض إلى  بعض الحجج، حيث أكدت النقزاوي أن الضريبة على الامتيازات الجبائية بلغت 15% على المستثمرين كافة، وفق قانون المالية لسنة 2020. في المقابل، أكد أولاد بليل أن قانون المالية لسنة 2020 سمح بفرض ضرائب بنسبة 15 % على المستثمرين الأجانب و25 % على المستثمرين التونسيين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تصريح النقزاوي هو الصحيح، فيما تصريح أولاد بليل هو المضلّل. وبالتحري من هذه المعلومة، عاد معدّ هذا التقرير إلى قانون المالية لسنة 2020 (الفصل 14) ليجد أن نسب الضريبة على الشركات خضعت للمراجعة، وتمّ ضبطها في حدود 15 %. وفي سياق النقاش أيضًا، أضافت النقزاوي أن ارتفاع عدد الموظفين يولّد ظهور وظائف وهمية، وهو تصريح مضلل جزئيًا، لأن المصطلح السليم في هذا الإطار هو سوء التحكم في الموارد البشرية، أو الارتفاع في مستوى التوظيف، لا ظهور وظائف وهمية، حيث أكد وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي محسن حسن في تصريح لفرانس 24 ، أن الانتدابات العشوائية التي أُقرّت بعد سنة 2011 في المنشآت الحكومية تعكس "سوء حوكمة وسوء تصرف، وبذلك تزايدت المصاريف وتدحرجت ككرة الثلج من سنة إلى أخرى". وفي تعقيب على النقزاوي، أكد الجويلي أن الدولة تدعم القطاع الخاص بـ 300 مليون دينار في ظل غياب أي دور فعلي للقطاع الخاص في النهوض بالبلاد. ونتيجة التحقق من هذا التصريح، تبين أنه زائف، إذ أكدت الهيئة التونسية للاستثمار إثر الاتصال بها أن الدولة التونسية لا تقدم منحًا سنوية لدعم الاستثمارات في القطاع الخاص، بل تعمل على تحفيز الاستثمار وفق شروط معينة، منها الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، ويكون ذلك عبر تكفل الدولة بالبنية التحتية أو من خلال مساهمة الأعراف في الضمان الاجتماعي، علمًا بأن إسقاط هذا التحفيز وسحبه من المؤسسات جائزٌ في مراحل لاحقة. وجرى الحديث في هذا الإطار عن عدم استثمار القطاع الخاص إلا في المؤسسات الناجحة، بحيث لا يمكن لمؤسسات عمومية مفلسة أن تخضع للخوصصة، وهو تصريح مضلل لأن المستثمرين يسعون إلى الاستثمار أيضا في المؤسسات المفلسة أو المثقلة بالديون، وهو ما يسمح بشرائها بأسعار دنيا. فبحسب دراسة صدرت عن المعهد العربي للتخطيط، تهدف الخوصصة في العادة إلى تحقيق عدد من الأهداف "أهمها تخفيف الأعباء المالية للدولة التي تسببها شركات القطاع العام الخاسرة"."  

المحاججة

وإثر توجيه سؤال حول مواصلة المؤسسات العمومية تقديم خدماتها للمواطنين التونسيين في المناطق الداخلية أو الحدودية بالكيفية نفسها، بعد خوصصتها، حتى في حال تكبدت خسائر، أكدت النقزاوي أن هذه المؤسسات ستواصل عملها في المناطق نفسها وبالكيفية ذاتها بعد فرض مجموعة من الشروط على المستثمر، وهذا تصريح مضلل جزئيًا، نظرًا لتعدد طرق الخوصصة المعتمدة، سواء من خلال التفويت الكلي أو الجزئي أو ببيع الأسهم أو عبر تشريك العاملين في رأس المال، علمًا بأن كلًا من هذه الطرق لها خصائصها. إذ وفق دراسة نشرها المعهد العربي للتخطيط، فإن اختيار طريقة الخوصصة "يتوقف على عدد من العناصر، من أهمها: أهداف الخوصصة، وحجم الشركات، ومدى تطور الأسواق المالية، وخصائص المشترين والمستثمرين، ويمكن تصنيف طرق الخوصصة إلى نوعين رئيسيين، وهما: الطرق التي تنهي ملكية الدولة وتؤدي الى تحويل الأصول إلى القطاع الخاص، وتلك التي لا تنهي هذه الملكية".

المواجهة 

وللتأكيد على أن الدولة بحاجة إلى الأموال العمومية لإصلاح المؤسسات وهيكلتها، قالت النقزاوي إن الخزينة العامة للبلاد تعاني من الضعف، حيث إن باخرة للحبوب، على سبيل المثال، ظلّت محتجَزة في ميناء صفاقس من دون أن تتمكن الدولة من تخليص شحنتها. وهذا خبر زائف وفق ما أثبتته منصة تونس تتحرى المعنية بالتحقق من الأخبار، بالاستناد إلى مدير التزويد في ديوان الحبوب عبد الستار الفهري، حيث أكد الأخير أن خبر مغادرة الباخرة من دون تفريغ الشحنة بسبب عجز الدولة عن دفع ثمن القمح، هو عارٍ من الصحة، وأن عملية تفريغ الحمولة كانت قد بدأت، وهي استمرت على مدى 10 أيام.