"ترف" الإقامة في خيمة

على مدى الأسابيع الماضية، استجابت المنظمات العاملة في شمال غربي سوريا لكارثة الزلزال، عبر إقامة مراكز إيواء للناجين. لكنّ إمكانيّة الحصول على الخيام، في ظل ازدياد الطلب عليها، اقتصر على المقيمين في هذه المراكز، ما ضاعف من أسعارها وأجبر كثيرين على المبيت في العراء.

"ننام في الشارع منذ أكثر من أسبوع. ليس لنا مكان آخر نبيت فيه، ولا نملك المال لشراء خيمة". حال محمد العلي، أحد سكان مدينة جنديرس بريف حلب الشمالي، ليس استثنائيًا. فبعد مرور شهر على زلزال شباط/فبراير الماضي، تشهد مناطق شمال غربي سوريا ارتفاعًا كبيرًا في الطلب على الخيام، برغم دخول قوافل مساعدات أمميّة وإقليميّة عدّة إلى المنطقة. وكما في سائر الحالات المشابهة، يُنتج ارتفاع الطلب ارتفاعًا موازيًا في الأسعار، حتى أصبح شراء خيمة لبعض الموجودين في العراء بعيد المنال.

الإقامة في المخيّم أو البقاء دون خيمة

على مدى الأسابيع الماضية، استجابت المنظمات المحلية غير الحكومية والمنظمات التركية العاملة في المنطقة للكارثة، عبر إقامة مراكز إيواء للناجين على شكل مخيّمات. لكن إمكانيّة الحصول على الخيام، في ظل ازدياد الطلب عليها، اقتصر على المقيمين في هذه المراكز.

امتنع محمد العلي عن الإقامة في مخيم لأنه لا يرغب بمفارقة منزله الذي دُمّر بشكل جزئي. قرّر أن يعيش في فسحة منزله منذ وقوع الزلزال. لكن قراره هذا حال دون حصوله على خيمة. 

أحد مراكز الإيواء التي أنشأت حديثاً في قرية كوكنايا بريف إدلب الشمالي للناجين من الزلزال

أحد مراكز الإيواء التي أنشأت حديثاً في قرية كوكنايا بريف إدلب الشمالي للناجين من الزلزال
أحد مراكز الإيواء التي أنشأت في قرية كوكنايا بريف إدلب الشمالي للناجين من الزلزال/ ليث دغيم

في المقابل، أخذ زياد عثمان، أحد سكّان مدينة إدلب، يتنقل من مكان إلى آخر بعد تضرّر منزله. لا يقدر زياد الآن على إيجاد مأوى أو شراء خيمة. يقول: "كنت أعيش في منزل متصدّع بفعل قصف سابق، وبسبب الزلزال ازداد المنزل تصدّعًا وبات غير قابل للسكن. انتقلت إلى منزل يعود لأقارب لنا خارج المدينة، لكنّ المكان صغير، وليس بإمكاننا البقاء فيه لوقت طويل".

ضيق منزل أقارب عثمان دفعه في الكثير من الأحيان إلى النوم في الشارع أو المسجد أو واحدة من الحدائق العامة في المدينة، تاركًا زوجته وأولاده عند أقاربه. ناشد الرجل المنظمات العاملة في المنطقة لمساعدته على تأمين خيمة، لكنّه لم يحصل على واحدة بعد، ويقول إنه لا يستطيع شراءها: "بالكاد أقدر على تأمين ثمن طعام لأطفالي"، يقول عثمان، مردفًا: "كيف لي أن أشتري خيمة بمئات الدولارات!". 

الخوف من الزلزال رفع الطلب على الخيام 

تصدُّع المنازل في المنطقة من جهة، والخوف من الإقامة في أبنية طابقية من جهة أخرى، دفعا الكثير من السكان إلى افتراش الحدائق العامة أو المساحات الفارغة المحيطة بمنازلهم. 

وقد زادت الهزّات الارتدادية المستمرة من مخاوف حسن دغيم مثلًا، فنصب خيمة بالقرب من منزله الذي يعيش فيه بمدينة إدلب، إثر نزوحه من بلدة جرجناز في ريف المحافظة الشرقي. "لا نملك السرعة الكافية للخروج من المبنى في كل مرة يقع فيها زلزال، لذلك أنشأنا هذه المخيمات وأقمنا فيها" يقول دغيم، "ونحن ننتظر الفرج من عند الله حتى نعود إلى منازلنا من جديد".

مدنيين في مدينة إدلب تركوا منازلهم ونصبوا خيام في الحدائق العامة

مدنيين في مدينة إدلب تركوا منازلهم ونصبوا خيام في الحدائق العامة
بعض السكان في مدينة إدلب تركوا منازلهم ونصبوا الخيام في الحدائق العامة والمساحات الفارغة حول المدينة خوفاً من حدوث زلزال/ ليث دغيم

وعلى المنوال نفسه قام أحمد الزرزور، أحد سكان بلدة دير حسان بريف إدلب الشمالي، بتفصيل خيمة ونصبها في فسحة منزله بسبب خوف أطفاله من النوم في المنزل ليلًا: "قمت بتفصيل خيمة لدى أحد الحدادين بطول 6 أمتار وعرض 4 أمتار، بلغت تكلفتها 220 دولارًا أميركيًا مع العازل البلاستيكي". 

أسعار جنونية للخيام!

ارتفاع أسعار الخيام دفع البعض إلى تجنّب شرائها جاهزة واللجوء إلى تفصيلها يدويًا لدى بعض الورش الصناعية في المنطقة. لكنّ أسعار المواد الأوليّة التي تُصنع منها ارتفعت بدورها، واستغل بعض التجار الأزمة، ما زاد من الأمور سوءًا. يقول خالد أبو علي: "قبل وقوع الزلزال كنت أمتلك كمية كبيرة من خيمة السفينة ذات النوع السيء، لكن كان هناك ضعف في الطلب ولم تُبع الخيام، فقمت ببيعها كحديد إلى مراكز التوزيع، حيث كان سعر الخيمة 20 دولارًا أمريكيًا تقريبًا، بل أقل من ذلك أحيانًا، بينما وصل سعر هذا النوع اليوم إلى 130 دولارًا". ومن خلال متابعته لأسعار السوق، يؤكد أبو علي استغلال بعض التجار للوضع ورفع الأسعار على نحو غير مقبول، فطنّ الحديد الذي كان سعره قبل الزلزال 800 دولار، ارتفع سعره إلى 1,200 دولار في الأيام الأولى بعد الزلزال، فيما يبلغ سعره اليوم 1,500 دولار.

تختلف أسعار الخيام المصنعة محليًا باختلاف نوعية الحديد المستخدم، واختلاف جودة العازل البلاستيكي الذي يوضع فوق الحديد. محمد طويل، صاحب ورشة حدادة يعمل بصنع الخيام، يقول إن "تكلفة الخيمة ذات مقاس 4×4 متر تتراوح بين 65 و70 دولار أميركي حاليًا، وهذا الحجم صغير ولا يتسع للعوائل الكبيرة، بينما تتراوح تكلفتة الخيمة ذات مقاس 6×4 متر بين 85 و90 دولارًا، وهي أكثر استخدامًا نظرًا لحجمها الكبير الذي يستع لعائلة كاملة". 

هل المساعدات التي وصلت إلى المنطقة لا تكفي؟

دخلت المساعدات إلى منطقة شمال غرب سوريا في اليوم الرابع بعد الزلزال (9 شباط/فبراير)، وتنوّعت بين مساعدات قدّمتها الأمم المتحدة، وأخرى قدّمتها دول عربية ومنظمات إقليمية ومحلية. تضمّنت معظم شحنات المساعدات مواد غذائية ومفروشات منزلية ومستلزمات طبية وخيام.

مازن علوش، مدير مكتب العلاقات العامة في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، تحدث لـ"أوان" عن عدد شاحنات المساعدات التي وصلت إلى المنطقة: "بلغ عدد شاحنات المساعدات الأممية التي دخلت من معبر باب الهوى الحدودي 473 شاحنة حتى تاريخ الخامس من آذار/مارس الحالي، في حين بلغ عدد شاحنات المساعدات غير الأممية 576 شاحنة مختلفة الحجم، من بينها 174 شاحنة مقدمة من منظمة الهلال الأحمر التركي، و128 شاحنة من منظمة IHH، و113 شاحنة من منظمة وقف الديانة التركي، و40 شاحنة من جمعية "عطاء"، و15 من منظمة "غراس الخير".

من جهته، نشر الموقع الرسمي لمعبر باب الهوى الحدودي إحصائية لعمل "قسم شؤون المنظمات" في المعبر خلال شهر شباط/فبراير الماضي. وأفادت الإحصائية بدخول 20,040 طن من المواد الإغاثية الواردة لمنظمات العمل الإنساني، توزعت نسبتها بين 34.3 للمواد لوجستية، و2.5% للكساء، و0.8% للمواد الصحية، و2.5% للمواد الطبية، و59.9% للمواد الغذائية.

في المقابل، دخلت 39 شاحنة مساعدة من معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، مقدمة من "مؤسسة البرزاني الخيرية" في إقليم كوردستان العراق، تضمّنت مواد غذائية ومياه وخيام ومستلزمات طبية وألبسة وأغطية، وُزعت في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي. 

كما دخلت من معبر الحمام الحدودي مع تركيا شاحنات مساعدات مقدمة من دولة قطر والمملكة العربية السعودية، فوصلت، بحسب ياسر الطرّاف، المسؤول الإعلامي في "الجمعية الدولية لرعاية ضحايا الحروب والكوارث (الأمين)" قافلتا مساعدات، الأولى مكوّنة من "11 شاحنة تحتوي على 1,084 خيمة، و938 سلة غذائية، و 763 سلة إيواء وُزِعت في مناطق عفرين شمالي حلب وإدلب، والثانية من 22 شاحنة تحتوي على 200 طن فحم تدفئة و 14,323 بطانية، و13,828 إسفنجة، وُزِعت في منطقة عفرين فقط".


دخول قافلة من المساعدات السعودية عبر معبر الحمام الحدودي مع تركيا بتاريخ 11 شباط/فبراير / محمود أبو راس

غير أن الناشط الإغاثي عبيدة دندوش اعتبر أن الخيام التي دخلت كمساعدات غير كافية لحاجة السكان في المنطقة بعد الزلزال، خصوصًا الثاني. فيما نشرت منظمة "منسقو استجابة سوريا" عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك" إحصائية لعدد شاحنات المساعدات التي وصلت إلى شمال غرب سوريا في الثاني من آذار/مارس الحالي، حيث بلغ العدد 1,733 شاحنة، بوزن 23,743 طن، 39% منها خاصة بالزلزال، و61% لتنفيذ مشاريع المنظمات المحلية الثابتة.

وأفادت إحصاءات المنظمة بأنّ عدد المخيمات في المنطقة ازداد بمعدل 12.81% ليرتفع مع التجمعات العشوائية إلى 1,873. كما قدّرت المنظمة نسبة الاستجابة الإنسانية في المنطقة قبل الزلزال بـ 56.8%، فيما بلغت النسبة بعده 47.3%، وحمّلت الأمم المتحدة المسؤولية الكاملة عن انخفاض هذه النسبة نتيجة توقّف عمليات التوريد عبر المعابر الحدودية لأيام عدّة.