إياكم ومناصرة فلسطين
ما هي الضغوط التي يتعرّض لها اللاجئون المناصرون للقضية الفلسطينية في أوروبا؟ هذه عيّنة من الشهادات.
ما هي الضغوط التي يتعرّض لها اللاجئون المناصرون للقضية الفلسطينية في أوروبا؟ هذه عيّنة من الشهادات.
برغم الزخم المتزايد في شوارع المدن الأوروبية لمناصرة الفلسطينيين في ظلّ استمرار الحرب على غزة (وفي الضفة الغربية)، ما زال كثر من الراغبين بالانضمام إلى هذه التظاهرات يخشون المشاركة والتعبير عن رأيهم، تحت وطأة الترهيب المباشر وغير المباشر الذي تمارسه السلطات المحلية في بعض الدول الأوروبية.
خلال مكالمة فيديو، لا تُخفي ضحى دموعها لدى الحديث عن الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون بهدف منعهم من تنظيم تحركات مناهضة للحرب الإسرائيلية أو المشاركة فيها. تشرح ضحى، وهي لاجئة سورية لم تحصل بعد على الجنسية الهولندية، قائلة إنها فوجئت مع بدء الحرب بتخصيص بعض المعلمين في المدرسة التي يدرس فيها أطفالها وقتًا للحديث عن إسرائيل، وعمّا يعاني منه الإسرائيليون بسبب "إرهاب الفلسطينيين".
من بين ما أخبرها إياها أطفالها أن معلّمة قصّت عليهم الكذبة التي تناقلتها وسائل الإعلام حول تعرض أربعين طفلًا إسرائيليًا للذبح. تقول ضحى: "أُحدّث أولادي بين وقت وآخر عن فلسطين، إنهم يعرفون حقيقة القضية، ويدركون بعضًا مما يجري نتيجة متابعتنا الأخبار في المنزل. قبل أيام، عادت ابنتي من مدرستها إلى المنزل باكية، وأخبرتني بحرقة أن معلّمتها تكذب. سألتني بحَيرة: لماذا تكذب علينا؟ هل أُخبرها أمام زملائي أنها تكذب؟".
تعيش ضحى في منزل على أطراف مدينة أورك، وهي مدينة تنتشر على شرفات الكثير من منازلها أعلام إسرائيل. تقول ضحى: "تمر الحافلة التي تُقل الأطفال إلى مدرستهم في المدينة، يرى الأطفال الأعلام يوميًا. وفي كل يوم يسألونني بإلحاح: كيف يمكننا أن نشرح لهم الحقيقة؟ كيف نقول إنّ عليهم رفع علم فلسطين؟".
منذ اندلاع الحرب، أصبح الجميع يتحاشاني، كما لو أنهم اكتشفوا وجود إرهابي بينهم
تنشر السيدة السورية يوميًا عبر حسابها الشخصي على موقع "فيسبوك" أخبار الفلسطنيين وما يتعرضون له. لكنّ حسابها شخصي ويحوي عددًا قليلًا من الأصدقاء، جميعهم سوريون تقريبًا. تقول: "فكرت مليًا بوضع علم فلسطين على شرفة منزلي، ولكن بعض الأصدقاء نصحوني بعدم القيام بذلك، وأخبروني أن خطوة كهذه يمكن أن تهدد سلامة عائلتي، وكذلك إمكانية حصولنا على الجنسية". تضيف: "الضغوط مزدوجة هنا، بعضها رسمي وبعضها الآخر شعبي. فأنصار إسرائيل كثر هنا، خصوصًا في المدينة التي أعيش فيها، أنا وأمثالي أقلية لا تذكر".
لا تبدو الأوضاع مختلفة في مدينة ديديمسفارت الهولندية، خصوصًا في أوساط اللاجئين السوريين من أصول فلسطينية، كما هو حال آدم وعائلته الذين يتعرضون لمضايقة مستمرة من الجيران في كل مرة تتصدر فيها أخبار فلسطين الاهتمام، إذ يقوم بعض الجيران بوضع علم إسرائيل في مقابل منزلهم مباشرة بهدف الاستفزاز.
يدرس آدم في كلية طب الأسنان، ويتمتع بعلاقة جيدة مع جميع المدرّسين. "كانوا يعاملونني بكثير من اللطف، ربما لأنني سوري ولاجئ، لكنّ هذا تبدّل منذ اندلاع الحرب على غزة. يعرف بعض أصدقائي أنّي من أصول فلسطينية. فجأة أصبح الجميع يتحاشاني، كما لو أنهم اكتشفوا وجود إرهابي بينهم"، يقول.
شارك آدم في تظاهرة مرخّصة في أمستردام الأسبوع الماضي. يروي أن المتظاهرين تعرضوا لضغوط من الشرطة التي اعتقلت ثلاثة منهم، اتُهموا لاحقًا بـ"معاداة السامية". زرغ هذا الأمر الخوف في نفوس كثيرين، من بينهم آدم، خصوصًا أنه وعائلته لم يحصلوا على الجنسية الهولندية بعد، ولذلك فهم يخشَون من التعرّض إلى الطرد.
المقارنة بين التظاهرات المؤيدة لفلسطين وتلك المؤيدة لإسرائيل في ألمانيا تفرض نفسها
دفع ذلك آدم إلى التوقف عن المشاركة في التظاهرات الداعمة لفلسطين خوفًا من محيطه ومن العواقب التي قد يتعرض لها. "على عكس ما نتعرّض له من ترهيب، يُقابل من يرغب بتأييد إسرائيل بترحيب شديد، وتُقدم له تسهيلات، ويُعامل الإسرائيليون معاملة خاصة تفوق حتى معاملة الطلاب الهولنديين في الجامعة، خصوصًا منذ اندلاع الحرب".
لا تبدو الصورة مختلفة كثيرًا في ألمانيا. فوفق ناشط سوري يدير مجموعة مغلقة للاجئين على "فيسبوك"، تشكّل المشاركة في تظاهرات مؤيدة لفلسطين "مخاطرة غير محسوبة"، ويضاعف من هذا الشعور انتشار شائعات في المجتمع الألماني بأن غرامات تُفرض على المشاركين في هذه التظاهرات.
وبرغم الضغوط التي تمارسها السلطات الألمانية في هذا الإطار، شهدت مدن ألمانية تظاهرات عدّة نظّمتها جمعيات وحركات سياسية ودينية، بينها واحدة شارك فيها نحو عشرة آلاف شخص في مدينة دوسلدورف قبل أيام، وأخرى شارك فيها نحو خمسة آلاف في برلين.
على أن المقارنة بين هذه التظاهرات وتلك المؤيدة لإسرائيل تفرض نفسها. فتوازيًا مع التظاهرات المذكورة أعلاه، كان نحو عشرة آلاف شخص يشاركون في نشاط داعم لإسرائيل (مقرونًا بشعار مكافحة "معاداة الساميّة") أمام بوابة براندنبرغ الشهيرة في برلين، وكان الرئيس الألماني فرانك والتر شتاينماير بنفسه يوجّه إليهم رسالة دعم معاكسة لسياق الأحداث العام في ألمانيا: "أن يعيش اليهود في خوف مرة أخرى اليوم هو أمر غير مُحتمل، خصوصًا في بلدنا"، قال شتاينماير.