ثالوث الكوارث السوريّة

لقد جاءت العقوبات الأحادية بدعوى محاربة النظام، لكنها، من حيث الممارسة، شملت كل مواطن سوري يعيش داخل مناطق سيطرة الحكومة بشكل خاص، بغض النظر عن موقفه من هذه الحكومة.

فتح الزلزالُ المدمر الذي ضرب تركيا وامتدت آثاره إلى سوريا النقاش، مجددًا، حول دور العقوبات الاقتصادية الأحادية في مفاقمة الأوضاع الكارثية التي تعيشها سوريا.

ورغم أن الفساد المسنود من الاستبداد المديد بحدّ ذاته كارثة كبرى، وهو المسؤول الأول عن ضعف سوريا وهشاشتها، مجتمعًا وبنيةً تحتية وقدرةً على مواجهة التحديات (ومنها الكوارث الطبيعية بطبيعة الحال)، فإنه لا ينفي دور العقوبات في زيادة سوء الوضع الإنساني في البلاد، خصوصًا بعد المأساة الأخيرة.

وليست العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب مدانة من وجهة نظر الشرعة الدولية لحقوق الإنسان فحسب، بل هي مرفوضة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بوصفها "أداة للقسر الاقتصادي والسياسي" وفق ما نص عليه قرارها الرقم 54/200 الصادر عام 1999، علمًا بأن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة أعاد تأكيد هذا الأمر في تقريره المعنون "التدابير الاقتصادية الأحادية بوصفها وسيلة للقسر السياسي والاقتصادي ضد البلدان النامية"، الصادر في 15 تشرين الأول 2001.

ولا تؤثر هذه العقوبات على استجابة الدول لطلب المساعدة العاجلة للمتضررين السوريين فقط، بل هي - بمعنى ما - جزءًا مؤسسًا للكارثة، بمساهمتها السابقة في تحطيم البنية التحتية للدولة السورية، وحجب الوسائل والإمكانيات الضرورية لمواجهة الظروف القاهرة. إذ هل يظن عاقلٌ أن رفع الأنقاض بعد زلزال كالذي وقع، ممكنٌ في ظل قلّة عدد الآليات الثقيلة، أو أن توفير الإسعافات متاحٌ مع شح الدواء والأجهزة الطبيّة، أو أن الوصول إلى الأماكن المتضررة سهلٌ في ظل ندرة الوقود وسوء حال الطرقات؟

في تقرير صادر في تشرين الثاني 2022 عقب زيارة إلى سوريا استغرقت 12 يومًا، قالت إلينا دوهان، وهي المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بإعداد تقرير خاص حول أثر التدابير الأحادية الجانب على حقوق الإنسان، إنها "صُدمت عندما شاهدت الأثر الهائل واسع النطاق للتدابير القسرية المفروضة على سوريا"، وأضافت أن "فرض عقوبات أحادية الجانب على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء والتجارة والبناء والهندسة، أدى إلى القضاء على الدخل الوطني وتقويض الجهود نحو التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار".

لقد جاءت العقوبات الأحادية بدعوى محاربة النظام والعمل على إسقاطه، لكنها، من حيث الممارسة، شملت كل مواطن سوري يعيش داخل مناطق سيطرة الحكومة بشكل خاص، بغض النظر عن موقفه من هذه الحكومة.

من هنا، فإن هذه العقوبات تكاد ترقى إلى مستوى جريمة حرب، على اعتبار أنها – من حيث النتيجة على الأقل – ساهمت في إفقار الشعب السوري، وحرمانه من جزء كبير من موارده واحتياجاته الأساسية، وإضعاف قدرته على العيش (شبه) الطبيعي بعد أكثر من عقد من الحرب، فما بالكم بمواجهة الظروف الاستثنائية. 

بل يمكن القول إن الكثير من الأرواح أزهقت إثر الزلزال، على الأغلب، نتيجة إحجام معظم الدول عن تقديم المساعدة العاجلة لسوريا بفعل الخوف من العقوبات، فضلًا عن تسييس هذا الملف الإنساني من قبل غالبية الأطراف المعنية بالأزمة السورية.

لقد بلغنا القاع الذي نحن فيه نتيجة ثالوث الفساد الذي يسنده الاستبداد، والحرب، والعقوبات. إن نفي أي من هذه العوامل ما هو إلا تسطيح للقضية السورية، وتبرير للمسارات التي أودت بنا إلى الكارثة.