بانوراما يوم عادي في سوريا
وجدت نفسي عاجزًا عن التأثير على قرار صديقي المنتج، وهو القرار الّذي أصبح نهجًا يحرم الدولة السورية من مئات آلاف الدولارات التي يمكن أن ترفد الخزينة - هي ذاتها الدولة التي تفرض ضريبة على الكلاب لرفد الخزينة.
وجدت نفسي عاجزًا عن التأثير على قرار صديقي المنتج، وهو القرار الّذي أصبح نهجًا يحرم الدولة السورية من مئات آلاف الدولارات التي يمكن أن ترفد الخزينة - هي ذاتها الدولة التي تفرض ضريبة على الكلاب لرفد الخزينة.
هناك سبب، غير الألفِ المعروفين، يمكن أن يسهّل موت مواطنٍ سوريّ، وهو أنّ "سيّارة الإسعاف ما فيها مازوت"- ساعاتٌ تالية، ويتصل بي منتجٌ صديق، يقول لي إنّ المشروع الّذي عزمنا على البدء في كتابته سوف يصطدم بتعنّت رقابي شديد. أقول له "أعتقد أنّ الهامش لم يعد بذلك الضيق، وإنّ هناك مرونةً ستتيح لنا تقديم تصوّرنا بطريقة ما" ليجيبني بأنّ مشروعًا سابقًا، كان في صدد إنتاجه قبل شهورٍ قليلة، جرت "تشفيته" لدى عرضِ حلقاته على الرقابة، فاللوحة التلفزيونية التي لا يزيد طولها عن خمس دقائق شُطب متنها وبقي منها "صباح الخير" و"تصبح على خير" (وحتّى هاتان الجملتان جرى إطلاق سراحهما من درج الرّقيب على مضض). أقول له "ما فينا نمرّق شي بضهر شي؟.. نسبّ أميركا ونسجّل ملاحظات عالوضع الداخلي مثلاً؟" فيقول "أنا لا أريد أن أشتم أميركا كي أقول إنّ المواطن السوريّ بردان وجائع ومظلوم" ويستطرد "من الآخر، رح نطلع نصوّر ببيروت على أنها سوريا". وجدت نفسي عاجزًا عن التأثير على قراره الّذي أصبح نهجًا يحرم الدولة السورية من عشرات بل مئات آلاف الدولارات التي يمكن أن ترفد الخزينة (هي ذاتها الدولة التي تفرض ضريبة على الكلاب لرفد الخزينة). - تالياً، أقرأ على الحساب الشخصي لصحفيّ سوريّ منشورًا يناقش فيه إطلالة تلفزيونية لمعاون وزير الإعلام، يتحدث فيها الأخير عن العسل الّذي يعيش فيه إعلاميو البلاد، ويؤكّد أنْ الوزارة لا تمارس أيّ تضييق من أيّ طرازٍ على الوسائل الإعلامية الخاصة، الأمرُ الّذي نفاه الصحفي حين جاء على ذكرِ واقعة تقول إنّ معاون الوزير اتصل به شخصيًا لدى كتابته منشورًا ينتقد فيه غلطًا فادحًا ارتكتبه وسيلة إعلام محلية، وطالبه بحذف المنشور، وحين ذكّره الصحفي بحملة "ساعدونا لنصير أحسن"، التي أطلقتها الوزارة في ما مضى، رد المعاون "هي الحملة للأمور المهمة، مو لهيك شغلات بسيطة". - ثمّ أقرأ منشورًا لصديقة تتحدّث عن تعرّض شقيقها لحادث سيّارة جرى، على إثره، نقله إلى واحدٍ من مستشفيات "تلّ منين" (ريف دمشق)، ولدى حضور ذويه، صباح اليوم التالي، لنقله إلى واحدٍ من مستشفيات العاصمة طُلب مهم أن يقوموا بملء خزّان سيّارة الإسعاف بالمازوت، فهو فارغ، والسيّارة الأخرى معطّلة. هكذا، نستطيع أن نقول إن هناك سببًا مضافًا، غير الألفِ المعروفين قبلًا، يمكن أن يسهّل موت مواطنٍ سوريّ، وهو أنّ "سيّارة الإسعاف ما فيها مازوت". هذه البانوراما، كلها، هي حاصلُ يوميات مواطنٍ سوريّ خلال 24 ساعة فقط. أحاول أنّ أفكّر بالآلية التي سوف يتعامل من خلالها دماغي مع هذه المتغيّرات الهائلة ضمن يومٍ سوريّ عاديّ ينسخ مصائبهُ بصورة دورية ويوزّعها على أكتاف الروزنامة، فأجدني أستعيد حكاية فيلم "الغريزة الأساسية"، وأفكّر في الطبيب النفسيّ الّذي وجد نفسه جزءًا من مصحٍّ عقليٍّ واسعٍ يُقال له مستشفى، والبعضُ في دائرتي يسمّيه "بلد".