قبل أيام صدرت أغنية "يا ضو"، وهي أوبريت غنائي سوري يضم فنانين سوريين مستقلّين مقيمين داخل سوريا وخارجها، لتحقق تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي. والأغنية من كلمات مجد مسوّح ورامي عمران، وألحان وتوزيع الموسيقية سعاد بشناق. قام بأداء "يا ضو" كلّ من كارمن توكمه جي، وروجيه اللحام، وليندا بيطار، وعامر الخياط، وعلي أسعد، وميس حرب. إلى جانب هؤلاء، شارك كل من كورال سوريا وإحدى جوقات لونا للغناء، بالإضافة إلى عازفين سوريين من بينهم عازف الأوكورديون وسام الشاعر وآخرين. اللافت في الأغنية هو ضخامة الفريق الذي أنجزها، والذي تجاوز 100 شخص بين كاتب وملحن ومغنٍ وفنيّ إنتاج، توزّعوا على ستّ دول هي ألمانيا وفرنسا ودبي وتركيا وكندا وسوريا. وبذلك، قد تكون أغنية "يا ضو" الأوبريت السوري الأبرز الذي استطاع جمع هذا العدد من الموسيقيين السوريين في عمل واحد. كُتبت الأغنية على لسان طفل سوري يلقي نظرة إلى الوراء، مستذكرًا ما عاشه خلال سنوات الحرب، ومفكّرًا في ما قد يحمله له القادم من الأيام، حيث يُستهل الأوبريت بمقطع يمهّد لمقولته التي ستستمر حتى النهاية: "كِبِر اللعب والعمر لسّه صغير، والموت بِـ لعبو ما بيمزح، فَتّحِت قلبي عالحزن بكّير، خبيت بقلبي للفرح مطرح". كان يمكن لأغنية "يا ضو" أن تنزلق في مطبّ الإغراق في "إيجابية مصطنعة" لو أنها ركّزت فقط على الرسائل البرّاقة التي تحثّ الجيل الشاب على المضي قدمًا، وتدعوه لتبني قيم المحبة والوطنية والتعاون ونبذ الخلافات. لكنها حاولت الالتفاف على هذا المطب بتخصيصها مساحة واسعة للحديث أيضًا عن التجارب القاسية أو المشاعر الثقيلة التي اختبرها الشبّان اليافعين خلال السنوات الماضية. ويظهر هذا واضحًا في عبارات مثل: "التعب عربش على روحي" وإشارات أخرى للـ"دموع" و"العتم" و"النصف الفارغ من الكأس". وفي موضعٍ آخر تستحضر الكلمات إحساس الكثيرين بالخسارة وضياع الفرص، وتفكيرهم بسيناريوهات الحياة غير المُحققة، إذ تم التعبير عن ذلك بالقول: "خبيت عمري ورا الـ: يا ريت... هالوجع لولا طال، رح يمضي". وعبر هذا التكرار الذي انطوت عليه ثنائية (الحزن/ الأمل) و(الماضي/ المستقبل)، تقرّ الأغنية بالتجارب الصعبة التي مرّت، لكنها تحمل كذلك رسالة أصحابها القائلة بضرورة التمسك بالأمل. حول هذه النقطة يقول مؤلف الأغنية الشاعر مجد مسوّح، ضاحكًا، إن الأغنية تضرب "مرّة على الحافر ومرّة على المسمار"، حيث الإشارة إلى الظروف الصعبة ومن ثم الانتقال إلى ردّ الفعل المأمول. ولدى سؤاله حول ما إذا كان يشعر بالأمل حقًا، يجيب: "يستحيل أن أكتب شيئًا لا أشعر به"، قبل أن يضيف: "المهمة الصعبة حقًا تتمثل بالبحث عن موضع الأمل في دواخلنا".
يقول مخرج العمل خالد عثمان إن "النسخة الأخيرة التي عُرضت أظهرت الطاقات والمشاركين بشكل متساوٍ"
يعتبر رامي عمران مؤسس منصة (1+1) التي أنتجت هذا العمل، والمشارك في كتابة كلماته، أن الأوبريت جزء من مشروع إعلامي أكبر يهدف إلى مساعدة المتلقي على الإحاطة بالمعلومات الضرورية وتشجيعه على طرح الأسئلة، إلى جانب تقديم أعمال موسيقية أو درامية تعزز الحالة الجمعية. وفي تعليقه على خيار توجه العمل للأطفال أو الحديث بلسانهم، يرى عمران أي طفل سوري لم يكن مسؤولًا عما حدث، ولكنه، للمفارقة، تحمّل الثمن الأكبر، وفوق ذلك عُلقت عليه لاحقًا كل الآمال. ويُلمس في أغنية "يا ضو" وجود محاولة جادة لتقديم أغنية لائقة على مستوى اللحن والكلمات والأداء، من دون الارتكاز فقط على الإبهار المرتبط بأسماء المؤدين وشهرتهم في الداخل السوري أو على ضخامة الإنتاج. فالأغنية، بصورة أو بأخرى، تشكّل أرشيفًا صوتيًا يسمح بالتعرّف إلى الخامات والأصوات المختلفة للمطربين السوريين، وخصوصيّة كلّ منهم. في هذا السياق، يقول روجيه اللحام، أحد المغنيين المشاركين في هذا العمل، إن ما جذبه للمشاركة في أداء الأغنية هو اسمها وموضوعها، فهو يشعر بأن بثّ الأمل ضرورة مُلحة الآن، كما أن "يا ضو" "عمل سوري بحت"، وهي تضم من وجهة نظره نخبة الأصوات السورية الشابة. وحول التحديات التي واجهتها في تلحين هذا العمل الضخم، تقول الموسيقية سعاد بشناق إن منتجي العمل أرادوا لحنًا يعلق في أذهان الناس؛ موسيقى يفهمها الكبار والصغار، عالمية لكنها تحمل خصوصية المكان الذي جاءت منه. تضيف المؤلفة أن إيجاد اللحن المناسب استغرق وقتًا. وتشير إلى تحديات مرتبطة بالتوزيع، ومتعلقة بالبحث عن سبل لإعادة الجملة اللحنية نفسها بأساليب مختلفة، إلى جانب تنفيذ توزيعين، أحدهما خاص بالكورال والآخر متعلق بالأوركسترا، ما ضاعف من الجهد المبذول. لكن ذلك، على ما يبدو، من التحديات المحببة لسعاد، لأن فيها كما تقول "يكمن سر الشغل". تقول سعاد بشناق التي وُلدت لأم سورية وعاشت في دمشق لأربع سنوات خلال دارستها في المعهد العالي للموسيقى: "كان حلمي يتمثل بتنفيذ عمل كبير بمشاركة فنانين سوريين"، وتضيف أن معظم العاملين في الأوبريت أصدقاء، والبعض منهم درس سويًا في المعهد، ما يجعل العمل بنظرها أقرب لـ"أوبريت عائلي". من جانبه، اضطلع السيد خالد عثمان بمهمة إخراج العمل وإنجاز عملية المونتاج. ونظرًا إلى العدد الكبير من المشاركين واختلاف أماكن التصوير، فقد كانت مهمته صعبة، إذ اضطر إلى وضع احتمالات مختلفة للإنتاج بغرض تقديم العمل بالشكل الأمثل. لكنه يعلّق على ذلك بالقول: "النسخة الأخيرة التي عُرضت أظهرت الطاقات والمشاركين بشكل متساوٍ، وهو ما شكّل عنصر جذب للمتابعة حتى آخر الأغنية". في الخلاصة، ووفق كلام من التقيناهم، لا يعلم القائمون على أغنية "يا ضو" إن كان هناك ضوءٌ في آخر النفق حقًا، لكنهم مقتنعون بوجوب الاستمرار في البحث عنه.