ما الذي يعنيه "التغير المناخي" لطلبة المدارس في لبنان؟

نتائج الاستطلاع الذي أجريناه تثبت أنّ الغالبية العظمى من طلاب المدارس الرسمية والخاصة في لبنان لم يدرسوا ظواهر الاحتباس الحراري وهم ليسوا على دراية بالكثير من المفاهيم المرتبطة بها.

شارك في إعداد التحقيق: وليم العوطة

تندرج هذه المقالة في ملف صحافي بحثي امتدّ العمل عليه بين أيار/مايو 2023 وأيلول/سبتمبر 2023، غايتُه رصدُ أبرز المعلومات المغلوطة حول التغيّر المناخي لدى فئات اجتماعية وعُمريّة وجندرية ومهنيّة متنوّعة في قضاء بعلبك ــــ الهرمل في البقاع اللبناني. نحاول في هذا الملف أن نرصد كيفيّة تمثّل مسألة التغيّر المناخي في أذهان المُستطلَعين، وأن نُسلط الضوء على أشكال "الذاكرة الشعبية البيئية" لدى أبناء المنطقة وأنماط العيش "التقليدية" التي يمكن استثمارها في سياق البحث عن حلول للمشكلات البيئية.

*     *     * 

تعود قضية التغيّر المناخي إلى الواجهة بعد الارتفاع القياسي في درجات الحرارة الذي شهده الصيف الماضي، وبالتوازي مع اختتام "قمة المناخ" أعمالها في إمارة دبي قبل أيام.

لا يمكن البحث في هذه القضية من دون إيلاء المسألة التربوية أهمية مزكزية. فالتعليم المدرسي يحتل موقعًا بالغ الأهمية في تعزيز الوعي بقضايا التغيّر المناخي، على اعتبار أنه يؤثر في تكوين سلوك الطلبة في مجتمعهم وبيئتهم. 

نضيء في هذه المقالة على مسألتين أساسيتين، أولهما نتائج استبيان قمنا بإنجازه لقياس المعلومات المغلوطة لدى طلاب المرحلة الثانوية في عددٍ من مدارس البقاع في لبنان، وثانيهما ما تحتويه المناهج الدراسية اللبنانية في المرحلة الثانوية حول قضية التغيّر المناخي، خصوصًا كتاب الجغرافيا المعتمد في المدارس الرسمية. ثم نختم بالإشارة إلى المقاربة التربوية الرسمية حيال القضية والبرامج ذات الصلة التي تخطّط وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان لتنفيذها عبر مؤسساتها التعليمية.

التغيّر المناخي غائب عن المنهج الدراسي

لا يحتوي كتاب الجغرافيا الخاص بالصف الثانوي الأول على فصل يتناول قضية التغيّر المناخي، كما لا ينطوي أي من الفصول الأخرى على عنوان فرعي يتعلّق بالتغيّر المناخي برغم أن الكتاب يحتوي على قِسم فَصليّ عن الحرارة وآخر عن طبقة الأوزون.

كذلك تغيب قضية التغيّر المناخيّ عن محتوى كتاب السنتين الثانويّتين الثانية والثالثة، في الفرعين العلمي والأدبي. وقد يكون لهذا الغياب ما يبرّره. إذ إن كتاب الجغرافيا المعتمد رسميًا ظهر في المناهج الدراسية الموضوعة عام 1997، والأخيرة لم تخضع مذّاك ـــ أي منذ ثلاثين عامًا ـــ إلى إعادة نظر، ولا عُدّلت محتوياتها بما يتلاءم مع التطورات العلمية.

ومن المعلوم أن قضية التغيّر المناخي أُثيرت بشكل جدي على مستوى العالم عام 1992 إثر إقرار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي، وهي معاهدة دولية تهدف إلى الحيلولة دون "تدخل خطير من جانب الإنسان في النظام المناخي". وقد صدّقت الحكومة اللبنانية على الاتفاقية عام 1994 بموجب القانون رقم 359، غير أن موضوع التغيّر المناخي لم يُدرج في المنهج الدراسي اللبناني لعام 1997 برغم هذا التوقيع.

وعليه، يمكن الحديث عن شكلٍ من أشكال "الأميّة المناخية" في المدارس والثانويات الرسمية اللبنانية بفعل الغياب التام لقضية التغير المناخي وما يرتبط بها عن المناهج الدراسية للمراحل التعليمية كافة في لبنان.

ويُظهر لنا استطلاع أجريناه وشمل طلاب عددٍ من الثانويات الرسمية والخاصّة، أن الطلاب لم يدرسوا التغير المناخي في صفوفهم، وهم بالتالي غير مطّلعين على المفاهيم والمقولات العلمية التي تتعلّق بالموضوع.

وبرغم أنّ فصولًا ودروسًا تلحظ المخاطر البيئية الناجمة عن التلوّث الذي يتسبّب به البشر في الصناعات الثقيلة وغيرها، فضلًا عن أهمية الحفاظ على الثروة المائية وكيفية ذلك، إلاّ أنّ هذه المسائل لا يجري ربطها بالتغيّر المناخيّ ولا تتطرّق بالأصل إليه.

استبيان الطلاب: الرغبة في التعلّم أكثر عن التغيّر المناخي

في استطلاعٍ أجريناه قبيل نهاية العام الدراسي 2022-2023 شمل 260 تلميذ(ة) توزّعوا على ثانويات رسمية وخاصّة في البقاعين الأوسط والشمالي، قال معظم المشاركين إنّهم سبق أن اطلعوا على محتوى دراسي يتناول مسألة التغيّر المناخي، غير أن الإجابات على بقية الأسئلة أعطت انطباعًا مغايرًا. إذ إنّ غالبية كبرى من المُستطلعين لم يكونوا على دراية بما تعنيه مفاهيم ومصطلحات بيئية مركزية.

وفي سؤالٍ عن التقييم الشخصي لمعلومات المستطلع(ة) حول التغيّر المناخي، من صفر إلى 10، أجاب المشاركون/ات على النحو التالي:

 

 

وبرغم قول غالبية المستطلعين إنهم مطّلعون على محتوى دراسي حول التغيّر المناخي، إلا المنهج التربوي الخاص بالسنوات الثانوية الثلاث ـــ كما أسلفنا ـــ لا يتناول هذه القضية في حقيقة الأمر. ما يعني أنّ الطلاب يخلطون بين التغيّر المناخي وتغيّر الطقس أو التغيّرات المناخية المعروفة التي تحدث عند الانتقال من فصل مناخي إلى آخر. 

وقد ثبُت لنا هذا إثر إجرائنا مقابلات مع عددٍ من الطلاب، سألناهم فيها عن التغيّر المناخي والاحتباس الحراري وغيرها من المفاهيم والظواهر المتعلقة بالمناخ. فقد أكّدت هذه المقابلات ومعها نتائج الاستطلاع أنّ الغالبية العظمى من الطلاب المستطلعين لم يدرسوا ظواهر الاحتباس الحراري ولا اطّلعوا على مفاهيم الكربون الأخضر والغازات الدفيئة، وليسوا على علم ببرنامج الأمم المتحدة للتغيّر المناخي حتى.

وعلى النحو نفسه أثبتت لقاءاتنا بأساتذة مادة الجغرافيا في أكثر من ثانوية رسمية وخاصة أنّ مادة "التغير المناخي" غير مدرجة بعد في المنهج الدراسي. وتقول ريفا الخطيب، وهي أستاذة مادة الجغرافيا في إحدى الثانويات الرسمية في البقاع، إن التطرّق إلى هذه القضية "لا يجري سوى في النقاشات الجانبية مع الطلاب، والموضوع غير مُدرَج في الأنشطة اللاصفية المرتبطة بمادة لدراسة". 

"التربية الخضراء"

في مطلع العام الحالي 2023، دعا كلّ من وزير البيئة ناصر ياسين ووزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي إلى العمل من أجل "تخضير" التربية في لبنان. 

وقد جاءت هذه الدعوة تماشيًا مع أهداف برنامج تغير المناخ من أجل التنمية المستدامة الذي تقوده منظمة "اليونسكو"، القاضية بـ"مساعدة الناس على فهم تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري وزيادة محو الأمية المناخية بين الشباب".  

وبحسب وزير التربية والتعليم العالي اللبناني، تستند مبادرة "التربية الخضراء" إلى ركائز عدة، أهمها تخضير المدرسة الذي من شأنه أن يساعد الطلبة على تنمية مهارات تسمح لهم بالقيام بأفعال واتخاذ إجراءات تنطلق من وعيهم بالقضايا البيئية والاجتماعية ذات الصلة وبالاقتصاد الدائري والاستدامة، وتُجذّر فيهم معايير الثقافة الخضراء والمجتمع الأخضر و"المواطن الأخضر".

غير أن نتائج استطلاعنا تطرح الكثير من التحديات في هذا الصدد، وهي تُظهر وجود حاجة ملحّة إلى إعادة النظر في المناهج التربوية اللبنانية حتى نتمكّن من بلوغ عتبة "التربية الخضراء".