لقاح "كورونا" .VS العلم الزائف
قد لا ينجح المزيّفون في تغيير آراء الناس الذين اعتادوا سماع رأي المتخصصين الحقيقيين، لكنّهم استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم كندّ، حتى لو كانت هذه الندية استعراضية شعبوية، وقيمتها في المجتمعات العلمية معدومة.
قد لا ينجح المزيّفون في تغيير آراء الناس الذين اعتادوا سماع رأي المتخصصين الحقيقيين، لكنّهم استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم كندّ، حتى لو كانت هذه الندية استعراضية شعبوية، وقيمتها في المجتمعات العلمية معدومة.
لا تحصل إسرائيل سوى على زبدة التفوّق العلمي في شتى المجالات، فهل "يجرّب" الأميركيون والأوروبيون اللقاح على أنفسهم وعلى "حبيبتهم"؟لتبسيط الفكرة، فلنتخيّل طبيبًا انبرى ليتحدث عن خطر قاتل يحدق بمن يتناول حبوب الأسيتامينوفين (بنادول وسولبادين ودوليبران وآدول وغيرها...): ستتجه كل الأنظار نحوه، وقد ينضم اليه عشرة أو عشرين من الزملاء ليهتفوا معه ضد الدواء المجمع عليه. هل كنّا في الفترة السابقة، مثلاً، نلتفت إلى أطباء قد يقولون إن هذا الدواء غير مضرّ؟ قطعًا لا، رغم كونهم بالملايين. فلا أحد يتحدّث عن البديهي، الذي صار كذلك بعد عشرات الأوراق البحثية. وحين يتصدى هؤلاء للحالات الشاذة، تبرز المعضلة أمام الجمهور، الذي قد يتصوّر أن للقضية طرفين، ولكلّ أدلّته، وهنا مكمن الكارثة. قد لا ينجح المزيّفون في تغيير آراء الناس الذين اعتادوا سماع رأي المتخصصين الحقيقيين، لكنّهم استطاعوا من دون أدنى شكّ أن يفرضوا أنفسهم كندّ، وإن كانت هذه الندية هي استعراضية شعبوية، وقيمتها في المجتمعات العلمية معدومة. من جملة ما يقوله أعداء اللقاح، أنّه معدّ للتجربة "علينا" (أي شعوب دول العالم الثالث). هذه الحجة ساقطة بوضوح، حيث يظهر التنافس الدولي على حجز أعداد كبيرة من الجرعات، وبدء عمليات التلقيح في "دول الشمال" أولًا. النموذج الإسرائيلي لافت بشكل فاضح: فبحسب الأرقام، إسرائيل هي الأولى عالميًا لناحية نسبة المتلقين للّقاح قياسًا إلى عدد السكان الإجمالي، حيث يتوقع الخبراء أن لا ينقضي شهر أو اثنين حتى يكون أكثر من ثمانين في المئة من سكان الكيان قد تلقّوا جرعاتهم. الطريف في الأمر أننا كسكّان هذه البقعة من الأرض، بتنا نعرف جيّدًا ما تعنيه إسرائيل للولايات المتحدة تحديدًا، وعليه فإنها لا تحصل سوى على زبدة التفوّق العلمي في شتى المجالات. فهل "يجرّب" الأميركيون والأوروبيون اللقاح على أنفسهم وعلى "حبيبتهم"؟ هذا سؤال لا جواب له سوى ابتسامة صفراء. وعلى الهامش، لا بدّ من التذكير بأن إسرائيل، رغم تقدمها العلمي ونظامها الصحي المشهود له، قد عانت الأمرّين في الأشهر الأخيرة بسبب الفايروس، وكان من الأسباب الخاصة بها هو الأقلية المتدينة "الحريديم" التي رفضت قرارات الحجر والإقفال باعتبارها مخالفة للشريعة اليهوية، ما فاقم الأزمة وزاد نسب الإصابات وأحرج وزير الصحة المحسوب عليها. من هنا يمكن فهم رد الفعل المعاكس الذي انتهجته حكومة نتنياهو (والعالم خلفها) لتلقيح الكيان بأسرع ما يمكن. وبعيدًا عن السياسة، فإن إحدى الذرائع لأعداء اللقاح متعلقة بالآثار البعيدة المدى. نظريًا، لا توجد دراسات تثبت أن اللقاح آمن بنسبة 100%، وإن كان لا يخفى على أحد أن الموافقة التي نالتها اللقاحات الحالية كانت موافقات طارئة، واختصرت بعض المهل الزمنية الضرورية قبل بتّ أمر أي دواء أو لقاح. لكن من الناحية النظرية أيضًا، لا بد من أن يعرف الجميع أن لقاح فايزر/بيونتيك يعمل عبر mRNA الذي لا يبقى في الخلية سوى لأيام معدودة، منجزًا مهمّته، ثم يضحملّ ولا يبقى منه ولا يدخل أي جزء منه الى نواة الخلية، وبالتالي فإن إمكانية حصول تغيير جيني في الخلية أمر شبه مستحيل، وإن بعد حين. يمكن التفرغ لإصدار مجلدات للرد على مزاعم كهذه. لكنّ الاكتفاء بهذين المثلين قد يكون كافيًا ليس فقط لدحض ما يزعمه هؤلاء، بل لكشف الهشاشة العلمية التي ينطلقون منها حين يدلون باستدلالاتهم التي تنتهج التسطيح وتعتمد على عطش مستخدمي السوشال ميديا لكل ما هو "تريندي"، متناسين حجم الحماية التي قد يقدمها اللقاح لمجتمعاتهم المنهكة أصلًا. وحتى وصول اللقاح إلى الدول المسحوقة، ولبنان منها، يبقى واجبًا على الحكومات (قبل الشعوب) انتهاج كلّ ما يلزم من سياسات وإجراءات للحدّ من الإصابات، مع مراعاة الهم الاقتصادي الذي لا يقلّ خطره عن الفيروس أبدًا.