على مدار الأيام الماضية، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار تزعم إدمان الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب المخدرات، بعد ظهور د. نبيل عبد المقصود – وهو طبيب متخصّص بعلاج السموم والإدمان – في حفل أحيته شيرين في تونس، الأمر الذي دفع الأخير إلى نفي الأخبار المتداولة والردّ عليها.
ليست هذه الأخبار ومثيلاتها سوى عيّنة من سلسلة طويلة من الأخبار التي تطال النساء على مواقع التواصل كل يوم، وهي أخبار يصاحبها دفق هائل من التعليقات والمشاركات التي تتيحها هذه المواقع. ومن البديهي أن ينجم عن هذا الدفق انتشار موازٍ لشائعات وقصص متخلية ينجرّ إليها عدد كبير من المستخدمين، فتنتشر بسرعة هائلة وعلى نطاق واسع، ليضحي رد الفعل على الخبر بحدّ ذاته خبرًا جديدًا، ويضيع الخبر الأصلي، بل يصبح مجرد تفصيل هامشي.
فشيرين، على سبيل المثال، كانت قد أثارت الجدل على مواقع التواصل في أكثر من محطة، بدءًا بخبر طلاقها من الفنان المصري حسام حبيب، مرورًا بحلق شعر رأسها، وصولًا إلى تصريحات أدلت بها عن حياتها الشخصية في اتصال هاتفي خلال أحد البرامج التلفزيونية.
وفي ظل الكمّ الهائل من الأخبار المغلوطة وازدياد عدد مستخدمي مواقع التواصل، حيث بلغ مطلع العام الحالي 58.4% من الأفراد في العالم بحسب بعض التقديرات، باتت هذه المنصات اليوم أمام تحدٍ كبير يتمثل بمواجهة التضليل والأخبار الكاذبة، خصوصًا تلك المتعلقة بالنساء والفتيات. فهل تصعّب مواقع التواصل الاجتماعي على النساء معركتهن للحصول على الأمان والحماية؟
مواقع التواصل تحدّ من المعلومات المضللة بشروط
تؤكد شركة “ميتا“، المالكة لمنصتي “فيسبوك” و”إنستغرام”، أنها تحاول الحد من انتشار المعلومات المضلّلة، وتقول إنها تضع تحذيرات على المنشورات التي يتم تصنيفها على أنها غير صحيحة، كما تقلّل من إمكانية وصول هذه المنشورات إلى المستخدمين. أما “تويتر” فيشير إلى أنه يقوم، رهنًا باحتمال حدوث ضرر في العالم الحقيقي، بالحدّ من تضخيم المحتوى المضلل وإزالته عن منصته في حال كانت عواقبه فورية وخطيرة.
وعلى غرار “تويتر”، لا يسمح “يوتيوب” بنشر أنواع معينة من المحتوى المضلل أو المخادع الذي ينطوي على مخاطر وقوع خطر جسيم، ويتضمن ذلك أنواعًا معينة من المعلومات الخاطئة التي يمكن، بحسب الموقع، أن تسبب ضررًا في العالم الحقيقي.
وعليه، تحاول مواقع التواصل بالفعل الحدّ من انتشار المعلومات المغلوطة والشائعات، ولكن بشروط، فسياساتها في هذا الخصوص ليست بالقدر الكافي من الصرامة. وهناك أرقام تبين نقيض ما تزعم القيام به لِلجم انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة. فقد وجد تقرير لمركز مكافحة الكراهية الرقمية صدر في العام 2020، أن منصات وسائل التواصل أزالت أقل من واحد من كلّ 10 منشورات تم الإبلاغ عنها في ما يتصل بمعلومات مضللة عن جائحة “كوفيد-19” في أميركا. وأورد التقرير أنه “حتى عندما تُسلّم المعلومات الخاطئة للشركات على طبق من الفضة، فإنها تتوانى عن اتخاذ إجراءات”.
وفي حين يشدد “فيسبوك” على أن إدارته تعمل على الحد من إمكانية وصول المنشورات التي تحتوي على أخبار مغلوطة إلى المستخدمين، بيّنت دراسة صدرت في العام 2021 عكس ذلك، إذ إن المنشورات من المصادر التي يعرف عنها نشرها معلومات خاطئة حصلت على 6 أضعاف الإعجابات والمشاركات والتفاعلات مقارنة بمنشورات مصادر إخبارية موثوقة. وأظهرت دراسة أخرى نشرت في العام 2020 شملت حسابات أغلبها من أميركا أن ارتفاع معدلات المشاركة على مواقع التواصل يؤدي إلى انخفاض التحقّق من الأخبار، وإلى مزيد من الإعراب عن الإعجاب بالمنشورات أو مشاركتها، ولا سيما تلك التي تتسم بقدر متدن من المصداقية.
واقع النساء والشائعات على مواقع التواصل
لا يختلف الواقع الذي تعكسه الأرقام المذكورة أعلاه عن ذاك الذي تواجهه النساء على مواقع التواصل الاجتماعي. فاستهداف النساء على هذه المنصات لا يقتصر على المضايقات والتهديدات والإساءات الإلكترونية والمحتوى المعادي للمرأة فحسب، بل يتعداه إلى التضليل القائم على أساس الجندر بشكل خاص. ويشكّل نشر المعلومات الخاطئة والشائعات الرامية إلى تشويه سمعة المرأة أو إلحاق الضرر بها الأسلوب الأكثر شيوعًا لإيذاء النساء عبر الإنترنت، تليه المضايقات الإلكترونية ثم خطاب الكراهية، وفقًا لدراسة نشرتها The Economist في آذار من العام الماضي.
وفي العادة، تكون العاملات في مجال السياسة والصحافيات والشخصيات العامة عمومًا أولى المستهدفات في الحملات الموجهة ضد النساء. فقد وجدت دراسة نشرها Wilson Center في واشنطن مطلع 2021 أن 9 نساء من أصل 13 امرأة عاملة في مجال السياسة في نيوزيلندا وبريطانيا وكندا وأميركا استُهدفن بمعلومات مضلّلة على أساس جندري.
أما بالنسبة للصحافيات، فقد أظهر بحث لـ”اليونيسكو” نُشر العام الماضي وشمل 125 بلدًا حول العالم أن العنف عبر الإنترنت الذي يهدف إلى إسكات الصحافيات وتشويه سمعتهن يمثل مشكلة متنامية، وهي مشكلة غالبًا ما تكون مرتبطة بتضليل منظّم، إذ أفادت 41% من المشاركات في الاستطلاع بأنّهن استُهدفن عبر الإنترنت بهجمات بدا أنها متّصلة بحملات تضليل ممنهج.
وقد دفع تلكّؤ “فبسبوك” في الحدّ من الهجمات المعادية للنساء في أميركا، على سبيل المثال، مجموعةً تضم أكثر من 30 عضوة “ديمقراطية” في الكونغرس إلى دعوة الشركة لـ”القيام بالمزيد“ من أجل ضبط الهجمات التي تنطوي على كراهية المرأة والمعلومات المضلّلة التي تستهدف القيادات النسائية.
وإزاء هذا الواقع الإلكتروني الذي يعكس حقيقة تعيشها المرأة يوميًا، ينتظر كُثر من الشركات المالكة لوسائط التواصل الاجتماعي، بوصفها منصات تؤثر في تشكيل الوعي الجمعي للمستخدمين، أن تسعى بشكل أكبر، أقله بموجب مدوناتها السلوكية، للحد من الشائعات ونشر المعلومات المضلّلة بوجه عام، وتلك المتعلقة مباشرة بالنساء بشكل خاص. وفي حين أتاحت هذه المنصات للنساء فرصًا، منذ نشأتها، لإعلاء أصواتهن ومضاعفة تأثيرهنّ في العالم الحقيقي، وساهمت في نشر الوعي بقضاياهن، فإنها تبدو، كما يدلّ الكثير المحتوى الذي تفيض به، مجرّد مرآة للنظام الأبوي في معظم الأحيان.