السوريون في "كردستان العراق": سياسة "دمج التعليم" تُهدّد التعليم!

تختلف أبجدية التدوين الرسمية في إقليم كردستان العراق التي تستخدم الأحرف العربية المُعدلة، عن نظيرتها لدى أكراد سوريا الذين يستعملون الأحرف اللاتينية. يرصد هذا التقرير انعكاسات ذلك على التحصيل المدرسي للاجئين السوريين في كردستان.

"كان ابني من المتفوقين في مدرسته منذ الصف الأول، لكن مستواه تراجع كثيرًا بعد تحويل المناهج من العربية إلى الكردية، فهو لا يفهم كلام المدرس، ونقف عاجزين عن تدريسه"، يقول أبو مراد (55 عامًا) في محادثة عبر تطبيق "واتساب" من مخيم دارا شكران في أربيل.

أسرة أبي مراد، واحدة من أسر سورية كثيرة في إقليم كردستان العراق وجدت نفسها تدفع ثمن تغييرات في قوانين التعليم. فبعد أعوام من تخصيص مناهج باللغة العربية للاجئين السوريين، قررت وزارة التربية في الإقليم وبتعاون ودعم من وكالات وشركاء الأمم المتحدة في مجال التربية، دمج الطلبة اللاجئين مع طلبة المجتمع المحلي، وتحويل لغة المناهج إلى الكردية باللهجة السورانية، ما خلق ردود فعل غاضبة لدى اللاجئين الكرد السوريين الذين يستخدمون الكردية باللهجة الكرمانجية.

منظمات.. وتمويلات

تسبّبت الحرب السورية وتبعاتُها في نزوح عشرات الآلاف من السوريين، لا سيما الأكراد إلى إقليم كردستان العراق، ويُقدر عددهم بـ 264,000 في المخيمات، فضلًا عمّن استقروا في الأحياء السكنية في المدن.

ويُدرّس في الإقليم منهاج واحد بخمس لغات هي العربية، والسريانية، والإنكليزية، والتركمانية، والكردية، وللطالب حرية اختيار لغة المنهاج التي يرغبها، لكنّ تحمّل أكلاف الدراسة يفوق قدرة اللاجئين وطالبي اللجوء، إذ تراوح بين 2، و5 ملايين دينار عراقي للطالب في العام الدراسي الواحد (بين 1,400 و3,400 دولار تقريبًا)، علاوة على نفقات المواصلات، فالمدارس تقع في مراكز المدن، بعيدًا عن المخيمات.

افتتحت المنظمات الدولية بالتعاون مع سلطات الإقليم مدارس خاصة باللاجئين لمختلف المراحل التعليمية و"وفرت مستلزماتها، ورواتب معلميها ودورات تدريبية لهم على طرائق التدريس" وفقًا لحسن قاسم، "رئيس اتحاد معلمي كردستان سوريا".

وكانت الوكالات التابعة للأمم المتحدة قد خصصت مناهج اللغة العربية لمدارس اللاجئين، نزولًا عند رغبتهم، لكن في هذا العام توافقت الأطراف على دمج الطلاب اللاجئين مع طلاب الإقليم في منهاج اللغة الكردية.

يشرح قاسم لـ"أوان" بعض تفاصيل الملف، فيقول: "منذ العام 2019 توقفت المنظمات عن العمل والتمويل، بحجة توقف وانتهاء خطة العمل، وهو أمر مشين جدًا. لم تتوقف منظمة الأونروا منذ أكثر من 30 عامًا عن تقديم المنح والمساعدات للطلاب الفلسطينيين، فلماذا توقفت يونيسيف بعد 6 سنوات؟".

ويضيف: "تواصلنا مع حكومة ورئاسة وبرلمان الإقليم، في البداية قدموا الدعم والتمويل، لكن تأثيرات جائحة كورونا والأزمة السياسية ألقت بظلالها على الوضع، فتوقف الدعم واضطر زملاؤنا المعلمون للعمل بالمجان قرابة سبعة أشهر، ثمّ حُوَل الملف بالكامل إلى وزارة التربية في الإقليم، لتبدأ مرحلة جديدة".

يواجه السوريون في كردستان مشكلة تتعلّق بصفتهم القانونية، إذ لا يحملون صفة "لاجئين" بل مجرّد "طالبي لجوء"

بدوره، يقول ميرفان باديني، مسؤول فرع كردستان لـ"اتحاد الطلبة والشباب الديمقراطي الكردستاني -روج آفا" إن توقف الجهات الدولية عن تمويل مدارس اللاجئين "ألحق ضررًا شديدًا بالطلاب والمدرسين. مولت وزارة التربية في حكومة الإقليم تلك المدارس لمدة عامين، لكن نتيجة الظروف المالية الصعبة وقطع ميزانية حكومة الإقليم من قبل الحكومة المركزية في بغداد، وعدم تحويل المستحقات بشكل منتظم، اضطرت حكومة الإقليم لإيقاف تمويل تلك المدارس وفتح المجال لالتحاق طلابها بالمدارس الحكومية التي تعتمد الكردية باللهجة السورانية لغةً للتدريس فيها".

يضيف: "بسبب اعتماد أكراد سوريا على اللهجة الكرمانجية بالأحرف اللاتينية في تعاملاتهم وتخاطبهم، صار الطلاب يجدون صعوبة في التواصل بشكل سلس مع مدرسيهم، كما تعذر إشراف الأهالي على دراسة أبنائهم، نظرًا لجهلهم اللهجة السورانية، ما تسبب بفقدان أحد أهم مرتكزات التعليم، وهو التكامل المنزلي – المدرسي، والنتيجة معاناة الطالب وضعف تحصيله العلمي، لأن قرار الدمج اتخذ لأربعة صفوف دفعة واحدة".

تختلف أبجدية التدوين الرسمية في إقليم كردستان العراق التي تستخدم الأحرف العربية المُعدلة، عن نظيرتها لدى أكراد سوريا الذين يستعملون الأحرف اللاتينية، ما يخلق صعوبة تتعلق بالقراءة والكتابة، خلافًا للمنطوق الشفوي، إذ يُمكن تبادل الحديث بين مستخدمي اللهجتين بلا مشكلات، فضلًا عن رواج اللهجة الكرمانجية بين مثقفي وكتّاب كردستان العراق.

يطرح باديني جملة مقترحات تعمل منظمته على تقديمها للجهات المعنية بالملف، مثل تبديل اللهجة السورانية إلى اللهجة الكرمانجية في المناهج، ودمج الطلاب على مراحل بشكل تدريجي، وفتح قنوات تواصل مع الجهات المانحة والممولة لتغطية نفقات المدارس.

أسباب قانونية.. وجذور سياسية؟

يرى المعترضون على مشروع الدمج أنه "ناقص، وغير منصف، ولا يعبّر عن وضع اللجوء في الإقليم ولا عن مستقبل التحصيل الدراسي للطلبة، والأفضل الحفاظ على مناهج باللغة العربية مع مواد باللغة الكردية"، وفقًا لما يشرحه مسعود، وهو مدرسٌ للغة العربية نزح من سوريا إلى الإقليم.

يقول مسعود: "إن عدم حصول اللاجئ على الإقامة الدائمة يعني عدّم تمتعه بالحقوق والواجبات كأهل البلد، ومنها الحق في التوظيف بعد إتمام الدراسة، لذلك فقرار الدمج ناقص وسيزيد من مشكلات اللاجئين في المستقبل القريب، وعلى هذه المنظمات اعتبار السوريين لاجئين بشكل قانوني لتكون لهم حقوق وواجبات".

اعترض الأهالي على قرار الدمج بسبب عجزهم عن مساعدة أطفالهم على إنجاز واجباتهم المدرسية باللهجة السورانية

ويرى مصدر سياسي كردي سوري طلب عدم الكشف عن اسمه أن الكرد السوريين "يئسوا من موافقة بغداد على منحهم اللجوء، وفي حال عودتهم إلى سوريا مستقبلًا مع حالة الإنكار السياسي من قبل الحكومة السورية للكرد ولغتهم المغيبة عن المدارس والمناهج والجامعات، فإن المخاوف تعتري أهالي الطلاب حول مستقبل أبنائهم".

تُعد الصفة القانونية للسوريين في الإقليم واحدة من أبرز المشكلات التي تعترضهم، إذ لا يحملون صفة "لاجئين" بل هم "طالبو لجوء" لم يُبت في طلباتهم. ووفقًا للدستور العراقي وطبيعة العلاقة بين المركز والإقليم، فإن منح صفة اللاجئين من صلاحيات الحكومة الاتحادية حصرًا (بغداد).

ويعتقد مصدر مسؤول في الإقليم أن "بغداد تتوجس من حصول السوريين في الإقليم على حق الإقامة واللجوء، وما قد يترتب عليه من حق الحصول على الجنسية مستقبلًا، وتغيير في العديد من موازين النتائج الانتخابية"، يأتي ذلك وسط استمرار الحديث عن عمليات تجنيس لغايات سياسية بدأت منذ العام 2003 في مناطق عراقية وفق تقارير إعلامية.

لا إجابات رسمية

تنقسم أنواع الإقامات في إقليم كردستان العراق إلى فئتين: الأولى خاصة بطالبي اللجوء، تُستعمل داخل الإقليم فقط، ولا تخوّل حاملها استخدام المعابر والمطارات، والثانية خاصة بإقامات العمل النظامية، وتخوّل حامليها الخروج والدخول إلى الإقليم من جميع المعابر والمطارات. برغم ذلك، تشير تقارير إعلامية إلى أن حاملي كلا النوعين "يتعرضون للسجن أو الترحيل في أيّ محافظة عراقية خارج الإقليم".

تنحصر الإجابة عن الأسئلة المتعلقة باعتقال حملة إقامات الإقليم، وعدم البت في منح حق اللجوء لطالبيه، بالحكومة الاتحادية في بغداد، عبر رئيس الوزراء أو وزير الداخلية. لم تنجح محاولاتنا التواصل مع أي مسؤول هناك، بسبب الإحجام عن تلقي الأسئلة الصحفية عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف، أو أي وسيلة تواصل عن بُعد. كذلك، لم نحصل على أي رد من وكيل وزارة التربية والناطق باسمها في كردستان العراق، ولم نتلقّ من "مفوضية شؤون اللاجئين" أي رد عن الأسئلة التي أرسلناها بواسطة البريد الإلكتروني الرسمي إلى مكاتبها في كلّ من أربيل، ودهوك، وبغداد.

لكن الموقع الرسمي للمفوضية نشر مجموعة إجابات وشروحات حول أبرز الاستفسارات المتعلقة بسياسة الدمج التعليمي، التي "وضعتها حكومة إقليم كردستان بدعم من وكالات الأمم المتحدة والشركاء في مجال التعليم لضمان حصول الأطفال اللاجئين وطالبي اللجوء على تعليم جيد، على قدم المساواة مع أطفال المجتمع المحلي المضيف". أما دوافع السياسات التعليمية الجديدة وفق الموقع، فهي "ضمان حصول الأطفال على أفضل بداية ممكنة للاندماج مع المجتمع الكردي المحلي، وإتاحة الفرصة للأطفال بتعلم اللغة من خلال اتباع المناهج التي يتبعها الأطفال الكرد، وتعزيز العلاقات بين الأطفال من خلال الالتحاق بالمدارس نفسها... تاليًا بناء القدرة الفردية والجماعية على التكيف والصمود...".

وردًا على اعتراض الأهالي على قرار الدمج بسبب عدم تمكنهم من مساعدة أطفالهم في إنجاز واجباتهم المدرسية باللهجة السورانية، قالت المفوضية إنها بالتعاون مع حكومة الإقليم "ستقدم دروسًا تعليمية لأولياء الأمور كجزء من إطلاق التنفيذ لسياسة إدماج التعليم للّاجئين، وستكون هذه الفصول مجانية ومفتوحة لجميع الأولياء الذين يسجلون أطفالهم في المدارس الحكومية في إقليم كردستان العراق".

لكن، وبينما يبدو الكلام أعلاه "معقولًا" من الناحية النظرية، تعكس أرض الواقع تخلي العديد من الأطفال عن التعلّم.

يقول الطفل بنكين، وهو طالب في الصف الرابع يسكن مخيم قوشتبه في أربيل: "في العام الماضي، كان المنهاج باللغة العربية، لكنه حاليًا باللغة الكردية. داومت لمدة شهرين ثم تركت، وأعمل برفقة والدي في المخيم. اللهجة صعبة كثيرًا علينا ولا أفهمها ولا أجد من يُدرسني في المنزل".

* أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج تدريب يضم صحافيات وصحافيين من سوريا من تنظيم “أوان” وبدعم من منظمة "دعم الإعلام الدولي - International Media Support"