كيف تتعرّض النساء في لبنان إلى عنف اقتصادي؟

تفيد بعض الإحصاءات بأن نحو 30% من اللبنانيين اليوم عاطلون عن العمل. ثمّة من يقول إنّ النسبة أقل إذا ما أخذنا بالاعتبار العقود المجحفة، غير المسجلة. لكن ما حصّة النساء في لبنان من كلّ ذلك؟

98% من نساء لبنان وفتياته تأثّرن بالأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ خريف 2019، بحسب دراسة أجرتها "الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة" بالشراكة مع منظمة "أنت الحياة ـ Women Alive" عام 2022. 

وقد ضاعفت الأزمات المتتالية من العنف ضد النساء في لبنان، ما جعل ظروف الحياة بالنسبة للغالبيّة منهنّ أسوأ مما كانت عليه. وما زاد من الأمر سوءًا أن القوانين الخاصة بالنساء في لبنان، أو التي تؤثر عليهن بشكل خاص، تقع على هامش أي خطط إصلاحيّة، وذلك لأسباب عدّة نتطرق لها في ما يلي.

ثلث اللبنانيين عاطلون عن العمل؟

"أتمنى أن يعيش طفلاي معي، لكنّي لم أطلب الحضانة لأن وضعي المادي لا يسمح لي بالسكن في منزل خاص ورعايتهما، أو حتى استقبالهما في السكن المشترك حيث أعيش الآن". انتقلت لمى (35عامًا) إلى بيروت بعدما حصلت على الطلاق من زوجها المُعنّف. لم تكن رحلة البحث عن منزل مهمة سهلة بالنسبة لها، خصوصًا أنها لم تكن قد حصلت على وظيفة بعد لتغطية تكاليف السكن والمعيشة. "أسعار السكن مرتفعة جدًا. وجدتُ غرفة في بيت مشترك، تبلغ قيمة إيجارها 100$"، تقول لمى.

منزل لمى بعيد عن مكان عملها الذي حصلت عليه بعد رحلة شاقة من البحث في أحد المقاهي في منظقة الحمرا، ولا يكفي راتبها الذي يبلغ 200$ لتغطية تكاليف السكن والعيش والمواصلات. لكن لا خيار آخر أمامها. إذ ليس هناك من يعيلها، ولم تمنحها الحياة الفرصة لإكمال تعليمها لتحصل على وظيفة براتبِِ أفضل كما تقول. "أحاول أن أقتصد في كل شيء، حتى في الفوط الصحية. أستخدمها لوقت أطول كي أتمكّن من شراء أشياء أخرى أحتاجها"، تقول لمى. 

ووفقًا للمسح الذي أجرته "إدارة الإحصاء المركزي" في لبنان و"منظمة العمل الدولية" حول القوى العاملة في البلاد عام 2022، ارتفع معدل البطالة في لبنان من 11.4% في فترة 2018-2019، إلى 29.6% في كانون الثاني/ يناير 2022، ما يعني أن نحو ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل في كانون الثاني/ 2022.

وتفيد الإحصاءات ذاتها بأن نسبة النساء العاطلات عن العمل أكثر من نسبة الرجال، إذ بلغ معدل البطالة لدى النساء 32.7%، مقارنة بمعدلها لدى الرجال الذي بلغ 28%. وتعتقد الخبيرة الاقتصادية محاسن مرسال أن هذه الأرقام قد لا تكون دقيقة بسبب وجود عدد كبيرة من النساء اللواتي يقبلن بعقود أشبه بعقود الإذعان، ولا يستفدن من الخدمات الاجتماعية والضمان الاجتماعي، علمًا بأن التسجيل في الضمان يساعد في عمليّة الإحصاء. وهؤلاء النساء لا يحصلن على حقوقهن كاملة أو يحرمن منها، ويرضين بذلك للحفاظ على أعمالهنّ، وهذا في بعض أوجهه قد يكون أسوأ من البطالة.

 

العنف الاقتصادي ضدّ النساء: أشكاله وأسبابه

وتتنوّع أشكال العنف الاقتصادي ضد النساء ـــ بسبب ضعف التشريعات والقوانين التي تحميهن في أماكن العمل ـــ بين عنف نفسي وحرمان من الموارد والخدمات والفرص. وقد أظهرت الدراسة المذكورة في مقدّمة هذا التقرير أن 30% من أفراد العيّنة تعرضن لعنف نفسي، و16% منهنّ عانين من حرمان من الموارد والخدمات والفرص.

وتعتقد مرسال أن غياب القوانين التي تحمي النساء في العمل على وجه الخصوص، دفع أعدادًا منهنّ إلى العمل في وظائف عدّة كي يُحصّلن ما يكفي لتلبية احتياجاتهن. كما أن بعض الشركات ما زالت تدفع لموظفيها بالليرة اللبنانية، وهي بالتالي تعطي موظّفيها ـــ والنساء من بينهنّ بطبيعة الحال ـــ رواتب قليلة. وتؤكد مرسال أن وضع النساء في لبنان بحاجة إلى تعزيز برامج اجتماعية تدعمهنّ خلال الأزمة وتحميهن في ظل غياب الرقابة. وتُظهر الدراسة أن نسبة 52% من النساء اللواتي يعملن في القطاع الخاص، لا يحصلن على كامل حقوقهن في العمل مثل بدل النقل، والإجازات الرسمية، وإجازة الأمومة، وتعويض الصرف، وتعويض نهاية الخدمة.

وتختلف أسباب انتشار العنف الاقتصادي ضدّ النساء في لبنان، لكن يمكن اعتبار الأزمة الراهنة أحد أسبابها الرئيسية. إذ إنّ نسبة كبيرة ممن تناولتهم الدراسة (58% منهن) أجبن بأن الأزمة هي المسبّب الرئيس. في المقابل، تقول المديرة التنفيذية للمختبر النسوي "نقطة"، عليا عواضة، إن السببين الرئيسيين خلف ما تتعرض له النساء من عنف هما القوانين التي لا تؤمن الحماية لهنّ، والثقافة المجتمعية التي لا تدعمهنّ في العمل في حال طُردن أو تعرضن لأي تحرش أو اعتداء داخل بيئة العمل.

ويأخذ  العنف الاقتصادي القائم على النوع الاجتماعي في لبنان أشكالًا عدة، أبرزها التمييز الجندري في ما يتعلق بالتعليم والمصروف، وعدم السماح باختيار العمل المناسب، أو عدم السماح بتصرف النساء برواتبهن بحرية. وبسبب تقصير القوانين والتشريعات، رفعت بيئة العمل الطاردة والسياسات غير الفعالة من نسب البطالة بين النساء. وتقول عواضة إن بعض أصحاب العمل يفضّلون صرف النساء من العمل على الرجال، لأنّهن أكثر كلفة، وقد يحتجن إلى عطل أكثر وإجازات مرضية وإجازات حمل وأمومة.


 

التعليم كخيار مؤجّل في الأزمة

اضطرت رنا إلى تأجيل دراستها في الجامعة حتى العام المقبل والعودة إلى قريتها للعمل في أحد متاجر بيع الألبسة بسبب عدم قدرتها على تغطية الأقساط، إضافة إلى تكاليف السكن في المدينة. "أنهيت العام الأول من الدراسة بصعوبة بسبب الأزمة، لكن لم يعد باستطاعتي تغطية المزيد من التكاليف. لذا سأنتظر. لكن أخاف أن يطول انتظاري". في المتجر حيث تعمل في البقاع، تتقاضى رنا 100$ تكاد لا تكفي لتغطية مصاريفها، علمًا بأنها تقيم في منزل عائلتها. لكنها تحاول أن تدّخر قدر المستطاع، ما قد يساعدها على العودة إلى مقاعد الدراسة مجددًا في العام المقبل.

 

وقد بلغت نسبة النساء اللواتي صرّحن بأنّهن واجهن تمييزًا جندريًا في ما يتعلق بالالتحاق بالجامعة أو المدرسة، 47%. ويعود بعض التمييز إلى إعطاء الكثير من الأسر أولويّة لتسجيل الأولاد الذكور في المدارس. ويمكن النظر إلى  أشكال العنف ضد النساء بوصفها حلقات متصلة. فعلى المدى البعيد، يمكن أن يقلل ارتفاع نسبة العنف المنزلي من عدد النساء في القوى العاملة وعدد النساء اللواتي يرتدن المدارس والجامعات، ما يؤثر على اكتساب المرأة للمهارات والتعليم، وبالتالي على قدرتهن على العمل والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد.

 

تقول عواضة  إن "الأزمة الاقتصادية تقلّل من فرصة النساء بالحصول على عمل. فغلاء النقل مثلًا يقيّد حركتهنّ، والكثيرات بُتن يُفضلن البقاء في المنزل بسبب عدم القدرة على تغطية تكاليف التنقّل".

الثابت أنه ـــ فضلًا عما سبق ـــ في ظلّ غياب خطط الدعم وضعف الضمانات وكثرة التشريعات التي تحتاج إلى إصلاح، فإن تبعات الأزمة الاقتصاديّة تقع على النساء في لبنان، بشكل مضاعف. 

 

* أُنجز هذا التحقيق بدعم من "صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية” UNDEF ومنظمة “صحافيون من أجل حقوق الإنسان" Journalists for Human Rights.

كلفة الصحة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان

كيف أثّرت الأزمة الاقتصاديّة في لبنان على الصحة الجنسيّة والإنجابيّة؟ نستعرض في هذا التحقيق قصصًا..

مروة صعب
عاملات منزليات في مواجهة الكفالة

معظم العاملات اللواتي يحضرن إلى لبنان ليست لديهنّ فكرة عن ظروف العمل، ويتم بيعهن كذبة من قبل وكلاء..

مروة صعب
القلق من الأزمة وعالم المخدّرات الموازي

في ظلّ عدم توفّر السيولة الكافية لتأمين حاجات من يلجأ إلى جمعيات مكافحة الإدمان ومراكزها في لبنان، تزداد..

مروة صعب

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة