الأمان في ميزان المهاجرين إلى لبنان

بحسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة، "يعيش نحو 50% من الأجانب في لبنان في ظروف غير آمنة"، إذ فاقمت الأزمة الاقتصادية من احتمالات تعرّضهم للإيذاء.

"حسّيت بهيداك الوقت إنو فلسطنيتي جريمة". يصف محمد شعوره على هذا النحو عقب نزوله إلى بيروت بعد انفجار المرفأ في 4 آب/أغسطس 2020.

يومذاك، قرّر التوجه إلى المدينة بقصد المساعدة. إلّا أنّ لكنتَه كشفت هويّته أثناء حديثه مع أصدقائه، فأمسك أحد الموجودين في المكان بسترته، ووجّه له عبارات نابية، متّهمًا إياه والفلسطينيين بـ"محاولة قتل اللبنانيين في الماضي".

لم يشعر الشاب بالأمان، فغادر المكان خوفًا من تعرّضه لمكروه، ولم يُبلّغ عن الحادثة حتى. إذ ما عسى التهمة التي يمكن أن يوجهها إلى هذا الرجل تكون؟، يقول لي متسائلًا. 

بحسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، "يعيش نحو 50% من الأجانب في لبنان في ظروف غير آمنة". إذ فاقمت الأزمة الاقتصادية اللبنانية من احتمالات تعرّضهم للإيذاء الجسدي والنفسي. في ظل هذه الظروف، كيف يمكن وصف واقع ما يربو على 135 ألف مهاجر ومهاجرة إلى لبنان؟

غياب السلامة والأمان

يتشارك العديد من المهاجرين/ات الشعور نفسه مع محمد. فقد أظهرت دراسة أنجزها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالتعاون مع REACH، عام 2022، أنّ الشعور بعدم الحماية والأمان لا يقتصر على فئة أو جنس معيّن. إذ أبلغت 20% من النساء عن قلقٍ واحد على الأقل يتعلّق بـ(غياب) السلامة والأمن في المنطقة التي يقطُنّ فيها، في مقابل قيام 20% من الرجال المهاجرين المُستطلعين بتبليغٍ مماثل. أمّا لجهة القاصرين/ات، فسجلت الدراسة تبيلغ 13% من القاصرات المستطلعات عن قلق واحد على الأقل، مقابل 12% من القاصرين المستطلعين.

وشملت الدراسة المذكورة 1,125 عائلة مهاجرة من 27 جنسية مختلفة توزعت أبرزها كالتالي: إثيوبية (29٪) وسودانية (22٪) وبنغاليّة (19٪) ومصرية (8٪)، فضلًا عن جنسيات أخرى من بينها الفلبين، وسريلانكا، وسيراليون، والعراق، وغانا، وكينيا، والنيبال.

وتعددت المخاوف التي تمّ الإبلاغ عنها، فشملت التهديد بالسرقة، والعنف، والتحرش اللفظي، والاختطاف، مع احتلال كل منها نسبًا متفاوتة تبعًا للفئة العمريّة. واحتلّ خطر تعرّض النساء والرجال للسرقة النسبة الأعلى من بين هذه المخاوف على نحو متتابع (17%) و(18%).

وتقول رئيسة قسم الصحافة في "المفكرة القانونيّة" سعدى علاوه في حديثها لنا إنّ استمرار العمل بنظام الكفالة يشكّل الخطر الأكبر على الفئات العاملة المهاجرة، وهي ترى أنّ نظام الكفالة هو المُمهّد الأول لسائر المخاطر الأخرى، إذ إنه يربط العاملين/ات بالكفيل بشكل دائم، إلى حين تنازل الأخير عن كفالته.   

وفي نظرة إلى المخاوف المتعلقة بالسلامة والحماية، يمكن ملاحظة أن 11% من أفراد عيّنة القاصرات المُستطلعة أبلغنَ عن مخاوفهنّ من التعرض لخطر السرقة، في مقابل 10% من القاصرين.

وتقول المستشارة في مجال حماية الطفل زينة علوش إنّ انتهاكات السلامة والأمان التي تطال القاصرين/ات تتّصل كذلك بـ "عدم القدرة على العيش بكرامة أو الاندماج في المجتمع، ما يعرّضهم/نّ إلى أشكال من العنصرية". كما أنّ بعض القاصرات يجدن أنفسهن أمام ظروف ترغمهنّ على الزواج المبكر، ويتعرض بعضهن إلى التحرش الجنسي في ظل خوف من التبليغ تجنبًا للمساءلة القانونية. وأضافت علوش أنّ تحقيقات بدأت تكشف في الآونة الأخيرة عن تعرّض قاصرين/ات لمخاطر الإتجار بالأعضاء.  

جغرافيًا، لا يمكن حصر المخاوف المتعلقة بالحماية والسلامة بمنطقة واحدة لنقول إنّ الأخرى آمنة. لكن يمكن ملاحظة مناطق أقلّ أمانًا (محافظة عكار بنسبة قلق من الخطر بلغت 56%) وأخرى أكثر أمانًا (محافظة الجنوب بنسبة قلق من الخطر بلغت 7%).

في هذا الاطار، يذكر محمد، مثلًا، أنّه يتجنب زيارة المناطق التي تتمتع فيها قوى سياسية "حاقدة على الفلسطنيين"، بالنفوذ ـــ كما يقول ـــ خوفًا من التعرض للعنف. ويضيف أنه يعاني من مضايقات على الحواجز الأمنية في لبنان، بدءًا من التفتيش وصولًا إلى الاستفسار التفصيلي عن تحركاته وطبيعتها. "إذا الواحد مش عامل شي، بيحسّ حالو عامل"، يقول.   

في العام 2021، بدأت منظمة "أطباء بلا حدود" نشاطها في مجال الاستجابة للاحتياجات النفسية للعمال الأجانب. وبين نيسان/أبريل 2020 وتشرين الثاني/نوفمبر 2022، سجّلت عيادة المنظمة الأحداث الأبرز التي أدّت إلى طلب العمال والعاملات مساعدة نفسية. ولدى التدقيق في الحالات الناجمة عن أحداث متعلقة بالحماية والسلامة، يظهر احتلال العنف الجسدي والنفسي المرتبة الأعلى في العامين 2021 و2022 بـ13% و10.6% على التوالي.  

هذه الأحداث وغيرها دفعت أكثر من 600 شخص إلى طلب الدعم النفسي في عيادات المنظمة، احتاج عدد كبير منهم إلى 20 يومًا من العلاج. وقد تلقّى أكثر من 99 مريضًا تقييمًا نفسيًا، فيما احتاج 58 منهم إلى الدخول للمستشفى بهدف العلاج، غالبيتهم من النساء. كما تبيّن أن أكثر من 20% من طالبي الدعم يعانون من أعراض اضطراب الاكتئاب، على مدى العامين الماضيين (2021 ـــ 2022).

وتشير المحامية فداء عبد الفتاح إلى عدم تطبيق الاتفاقيات التي تنص على حماية الأجانب، الموقعة من قبل الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى غياب أجهزة الرقابة وعدم توفّر الوسائل التي تمكّن الأجهزة الأمنية من إتمام عملها. على سبيل المثال، توضح عبد الفتاح أنّ وكيلها، الأميركي الجنسية، غير قادر على استلام جواز سفره منذ أسبوع بسبب تعطّل الأجهزة في المحكمة العسكرية وعدم قدرة الأخيرة على إرسال فاكس للشرطة العسكرية.

وفي حين يدرك حامل الجنسية الأميركية أو الأوروبية حقوقه في غالب الأخيان، فإن غياب الوعي بالحقوق من قبل كثير من المهاجرين الآتين من "الدول النامية" يؤدي إلى زيادة الانتهاكات بحقهم. كما أن المقيم بطريقة غير شرعية كثيرًا ما يربط حق التقاضي بوجوده القانوني داخل البلد، علمًا بأنّ الأمرين منفصلان، إذ يحق لأي شخص توكيل محام بمجرد حيازته على وثيقة شخصية. 

لكن عبد الفتاح تقول إن توكيل محام/ية يقلّص، في مطلق الأحوال، من احتمال ارتكاب انتهاكات بحق الأجانب لدى التوجّه إلى المخفر، إذ إنّ الأجهزة الأمنية تطبّق القوانين بطريقة شكلية أحيانًا، وقد توقف المهاجرين على خلفية عدم حيازتهم أوراقًا قانونية. كما أنّ غياب المحامي قد يؤدي إلى ضياع الشكوى أو إهمالها لأشهر.

 

* أُنجز هذا التقرير بدعم من "صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية" UNDEF ومنظمة "صحافيون من أجل حقوق الإنسان" Journalists for Human Rights.

نساء في مرمى العنف

%7 فقط من النساء اللواتي تعرّضن للعنف قمن بالتبليغ عنه، بينما امتنعت الغالبية العظمى منهن عن ذلك. ما..

فاطمة نعيم

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة