من هم المتطرّفون؟

ثمانون في المئة من أعضاء البرلمان عن حزب المحافظين هم أعضاء في "مجموعة أصدقاء إسرائيل". لقد رعت إسرائيل توسع مجموعة الضغط هذه خلال الأعوام السابقة، وهو ما يفسر شبه الإجماع على تموضع داعم لإسرائيل لدى حكومة المحافظين الحالية.

ترجمة يامن صابور

مع مرور الأسابيع على حرب غزة، أخذ السؤال حول ما يشكل "تطرفًا" بالبروز في بريطانيا. لقد تحدى مسؤولون في الحكومة المحافظة كبار ضباط الشرطة في البلاد كي يضيّقوا الخناق على المتظاهرين المؤيدين لفلسطين وعلى داعميهم، وانتقدوا شرطة العاصمة على وجه الخصوص بوصفها متساهلة جدًا مع "التطرف"، وباعتبار أنها ما زالت شديدة التحفظ حيال اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب وقوانين جنائية أخرى من أجل اعتقال المشتبه بهم بتهمة "التطرف"، والادعاء عليهم أمام المحاكم.

وقد انضم قائد شرطة العاصمة، مارك راولي، إلى المطالب الحكومية حيال مراجعة القوانين الخاصة بالإرهاب وجرائم الكراهية، حيث دعا إلى المزيد من "الوضوح" فيها وإلى تعريف موسع لمصطلح "التطرف".

وبالمثل، قاوم راولي لغاية اليوم الضغط السياسي الهائل الذي تمارسه حكومة المحافظين عليه بالاشتراك مع مجموعات الضغط الداعمة لإسرائيل بهدف دفعه إلى حظر الاحتجاجات وأي تعبير عن مشاعر مناهضة لإسرائيل.

ومن المهم للسياق هنا أن نذكر أن نحو 80 في المئة من أعضاء البرلمان عن حزب المحافظين هم أيضًا أعضاء في "مجموعة أصدقاء إسرائيل" المحافظة. لقد رعت إسرائيل توسع مجموعة الضغط هذه خلال الأعوام السابقة، وهو ما يفسر شبه الإجماع على تموضع داعم لإسرائيل لدى حكومة المحافظين الحالية، وما تعكسه في عملها من سياسة دولة إسرائيل ذاتها، عبر صهر انتقاد إسرائيل مع معاداة السامية في بوتقة واحدة، وعبر السعي لحظر أي تعبير سياسي معاد لإسرائيل.

العديد من الديموقراطيات الغربية متواطئة في ارتكاب جريمة الفصل العنصري عبر الدعم الذي تقدمه لإسرائيل من غير قيد أو شرط

تُعتبر وزيرة الداخلية التي أُقيلت، سويلا براڤرمان، صاحبة أحد أكثر صوت داعم لإسرائيل في الحكومة التي تسعى إلى أسرلة المقاربة السياسية تجاه الحريات المدنية في بريطانيا. وفي مقالة لها نشرتها صحيفة "ذي تايمز"، تأخذ براڤرمان مسألة التطرف في اتجاه جديد عبر ربط الدعم الشعبي العام للفلسطينيين والكراهية الدفينة تجاه إسرائيل مباشرةً مع ما تعاملت معه بريطانيا في الماضي من عنف وتطرف في إيرلندا الشمالية.

فما هي بالضبط الدروس التي يمكن استخلاصها من التطرف في إيرلندا الشمالية؟ وهل يمكن أن يكون الدعم الذي تقدمه حكومة المحافظين لإسرائيل نوعًا من "التطرف" بحد ذاته؟

لنبدأ أولًا من دعم المحافظين لإسرائيل. لقد قامت منظمات دولية محترمة في مجال حقوق الإنسان بتصنيف إسرائيل على أنها دولة فصل عنصري، ومن ضمن تلك المنظمات "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" ومنظمة مناصرة حقوق الإنسان الرائدة في إسرائيل نفسها، "بتسليم".

كما أقدم كل من مايكل لينك (كندا)، وفرنشيسكا ألبينيزي (إيطاليا)، وهما اثنان من مقرري الأمم المتحدة الخاصين المعنيين بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على إصدار تقارير تفصيلية، بالتعاقب في عامي 2022 و2023، تبين الطبيعة "الأبارتهايدية" لدولة إسرائيل.

وبحسب "نظام روما الأساسي"، فإن الفصل العنصري (الأبارتهايد) يعد جريمة ضد الإنسانية. وبالتالي، فإن العديد من الديموقراطيات الغربية (وليس كلها)، ومن بينها المملكة المتحدة، تعد متواطئة في ارتكاب جريمة الفصل العنصري عبر الدعم الذي تقدمه لإسرائيل من غير قيد أو شرط في غالب الأحيان. وتتمثل هذه الجريمة بطبيعة دولة إسرائيل لناحية إخضاعها الفلسطينيين وقمعهم، وليس بجرائم الحرب أو ممارسات الإبادة العرقية التي ترتكبها إسرائيل حاليًا في غزة.

ثانيًا، عندما نتناول مسألة "التطرف"، علينا أن نتذكر أن لدى المملكة المتحدة تاريخ طويل، ممتد من ماضيها الكولونيالي، في وضع القوانين التي تجرم المقاومة العنفية وتعرّف التطرف، وفي تفسير تلك القوانين على نحو نفعي.

كان هناك تواطؤ بين أجهزة الدولة البريطانية المسؤولة عن مكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابية الموالية للتاج البريطاني

إن النزاع في إيرلندا الشمالية يوضح النقاش الحالي عن التطرف، ويوضح أيضًا كيف أن معاملة المنظمات "الإرهابية" لا تقوم على معان موضوعية، بل على تفكير مسيّس. لقد سرت قوانين طوارئ الدولة التي تقوض حكم القانون في إيرلندا الشمالية منذ العام 1921 إلى نهاية عهد "حكومة ستورمونت" عام 1972، من خلال ما يُعرف بقانون السلطات الخاصة (Special Powers Act).

وبحسب "حكومة ستورمونت"، فإن العديد من المنظمات الوطنية كانت محظورة عن العمل، بما فيها "شين فين"، أي الجناح السياسي من جيش التحرير الإيرلندي. وتحت الحكم البريطاني المباشر عام 1974، أزيل "شين فين" من قائمة المنظمات المحظورة (وذلك إلى حد بعيد من أجل تسهيل المفاوضات التي كانت جارية عبر القنوات الخلفية).

وعلينا هنا أن نلاحظ أيضًا أن "جيش التحرير الإيرلندي" لم يوضع أبدًا على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الخاصة بالولايات المتحدة جراء الدعم السياسي الذي كانت النخبة السياسية الأمريكية تقدمه للنزعة الوطنية الإيرلندية. أما من جهة الموالين للتاج في إيرلندا الشمالية، فإن الحكومة البريطانية لم تضع على قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة سوى "رابطة الدفاع عن أولستر" في عام 1992 برغم أن جناح الرابطة المسلح، "المناضلون للحرية في أولستر (UFF)"، كانت مسؤولة عن مئات جرائم القتل الطائفية منذ تأسيسها عام 1971.

كما أننا نعلم اليوم بفضل التحقيقات التي أجرتها الحكومة البريطانية بعد "اتفاق الجمعة العظيمة" في عام 1998 أنه كان هناك نوع من التعاون الممنهج ("التواطؤ") بين تلك الأقسام من الدولة المسؤولة عن مكافحة الإرهاب في الشرطة والجيش والأجهزة الأمنية والمنظمات الإرهابية الموالية للتاج البريطاني.

لقد صُمّم "قانون تركة إيرلندا الشمالية" الذي أقرته حكومة المحافظين هذه ذاتها في أيلول/سبتمبر 2023 بهدف درأ خطر محاسبة عملاء الدولة البريطانية أمام القضاء عن الأفعال الجرمية التي ارتكبوها خلال النزاع في إيرلندا الشمالية. ومع أن وزيرة الداخلية السابقة براڤرمان كانت حريصة على رسم التشابهات بين التطرف في إنكلترا وإيرلندا الشمالية، علينا أيضًا الانتباه إلى أن حكومات المحافظين المتتالية لم تقم بأي جهد كان من أجل تطبيق تشريع مكافحة التطرف/الراديكالية، الساري في إنكلترا وويلز منذ العام 2011، في إيرلندا الشمالية.

لقد استثمرت إسرائيل رأسمال سياسي هائل في تأسيس لوبي مؤيد لها داخل أميركا، وهي تبذل جهدًا كبيرًا كي تحقق هذا الهدف في السياسة البريطانية والأوروبية

لقد جرى وضع تلك الاستراتيجيات، المفعمة بالغموض، وتوسيع نطاقها في عهود حكومات المحافظين، وذلك من أجل تضمينها التطرف "العنيف" ومن ثم "التطرف غير العنيف". ولطالما وصف بعض السياسيين وكبار رؤساء الشرطة استراتيجيات كبح التطرف ومكافحته بالسامة، جراء تسميمها للعلاقات مع البريطانيين المسلمين، كما أن هذه الاستراتيجيات بالنسبة للكثير من البريطانيين المسلمين تعكس ميولًا رهابية تجاه الإسلام ضمن حزب المحافظين.

جميع هذه التناقضات أعلاه ما هي سوى غيض من فيض، وعليها أن تساعدنا على وضع الأمور في سياقها على نحو أفضل عندما نتناول مسألة إضافة "حماس" في العام 2021 إلى قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة بموجب قانون الإرهاب للعام 2000، على يد وزيرة الداخلية في حينها بريتي باتيل، وهي الأخرى صوت مؤيد لإسرائيل في حزب المحافظين.

إن سلوك "حماس" لم يتغير منذ إضافة جناحها العسكري إلى تلك القائمة في العام 2001، فلماذا جرى حظرها في العام 2021؟ حتى أحد مُعلّقي "بي بي سي" رأى حينها أن تلك الخطوة تعكس "العلاقات الوثيقة التي تملكها إسرائيل داخل حزب المحافظين". ربما يكون هذا الدرس هو الأهم الذي يمكننا استخلاصه من الخضات السياسية التي تشهدها حكومة المحافظين جراء حشد المشاعر المناوئة لإسرائيل.

لقد استثمرت إسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضي رأسمال سياسي هائل في تأسيس لوبي مؤيد لها داخل الولايات المتحدة، واليوم تعد "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC)" واحدة من أكبر القوى السياسية نفوذًا في السياسة الأميركية. وقد بذلت إسرائيل جهدًا مشابهًا خلال الأعوام السابقة كي تحقق هدفًا مماثلًا في السياسة البريطانية والأوروبية، وبالتحديد كي تسيطر على الأحزاب الحاكمة وتعمل من خلالها على صياغة السياسة بطرق تحمي إسرائيل وتُشيطن الفلسطينيين.