انتفاضة القرن اللبنانية
ما يجري الآن يدور حول شكل الصيغة الجديدة، ومن أسئلتها: ماذا عن الريوع، والطائفية، والتوازنات داخل الطوائف، وشكل الشراكة الجديدة، وعلاقة اللبنانيين بالدولة والسلطة. هذه ستكون بنود "صفقة القرن" اللبنانية.
ما يجري الآن يدور حول شكل الصيغة الجديدة، ومن أسئلتها: ماذا عن الريوع، والطائفية، والتوازنات داخل الطوائف، وشكل الشراكة الجديدة، وعلاقة اللبنانيين بالدولة والسلطة. هذه ستكون بنود "صفقة القرن" اللبنانية.
هناك بضع عشرات الآن يحددون أجندة الحراك بشكل غير مباشر، وهذه ليست مؤامرة بالضرورة، بل هي طبيعة الأمورهذا التقسيم يُظهر وجود محاولات لتوجيه الاحتجاج من قوىً داخل السلطة أو تربطها علاقات مع سفارات أجنبية، من دون أن ينفي أن الغالبية العظمى من المشاركين هم مواطنون تحركهم المظالم، وأن كثيرًا من الجماعات المشاركة هي قوىً وطنية مشهود لها في المسائل الاجتماعية. لكن السؤال هنا يتمحور حول من يمتلك الموارد والأدوات للتعبئة والتأثير، ومن هي الجهات التي تدير الاحتجاجات وتنسّقها لتحافظ على زخمها، وتتولى كذلك تحديد مطالبها، ومنها مطلب إسقاط الحكومة؟ إن مطلب إسقاط الحكومة هو نقطة قوة للحراك، نظراً لمفاسد العديد من مكوناتها، ولكنه في الوقت نفسه نقطة ضعف. لنتخيّل أن رئيس الحكومة استقال غداً، في وقت يرفض فيه أطراف الحراك تشكيل إطار قيادي. من الذي سيحدد حينها معايير الحكومة المقبولة من جانب الحراك، ومن الذي سيوافق عليها؟ هل سيكون هذا قرار الربع مليون أو النصف مليون متظاهر، أم رأي بضعة أفراد مسيطرين على المنصات في الساحات وعلى الخطاب الاعلامي؟ فعليًا، هناك بضع عشرات الآن يحددون أجندة الحراك بشكل غير مباشر. وهذه ليست مؤامرة بالضرورة، بل هي طبيعة الأمور. غالبية هؤلاء يرفضون فكرة إعلان إطار قيادي، حفاظاً على نفوذهم الحالي المضمر. هولاء العشرات، ليسوا أيضًا بمستوىً واحد من التأثير. فمن يملك قناة تلفزيونية أقوى ممن يملك حزبًا صغيرًا، ومن يملك حزبًا متماسكًا أقوى ممن يملك منصة، ومن يملك منصة أقوى من نشطاء لديهم خيمة، وهكذا. من هنا، فإن هذه المجموعة المؤثرة قادرة بسهولة نسبية على صنع توافق حول ما ترفضه نيابة عن الحراك. لكن الأزمة ستبدأ حين نصل إلى مرحلة الحديث عن البدائل والمساومات. أما لناحية التوزّع الجغرافي، فقد تركّزت الاحتجاجات الكبرى في المدن ذات الغالبية الإسلامية مثل طرابلس وبيروت وصيدا والنبطية وصور وبرجا، وبدرجة أقل في المناطق المسيحية، بدعم من حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب"، بالإضافة إلى كتلة من الطبقة الوسطى. إن ما يجري أساسًا هو انفجار داخل "البيئة المسلمة" في لبنان، التي تضم الأكثر تهميشًا، لا سيما في الضواحي والأطراف. وهناك تقاطع بين المهمشين اجتماعياً والمهمشين سياسياً. يضاف إليهم جزء من الطبقة الوسطى اللبنانية التي تستشعر أنها على وشك خسارة موقعها وامتيازاتها بفعل الأزمة المالية والاقتصادية. بمعزل عن مسار الأمور، يمكن القول إن العودة لما قبل 17 تشرين الأول لم تعُد ممكنة. فما مات قد مات، والتباينات اليوم ليست حول هذه النقطة، بل حول الوجهة التي سنمضي إليها. هناك توازن قوى جديد، وثمة قوى سياسية انتهت فعليًا، ولم تبق إلا جثثها مع دفن مؤجل. السؤال الأساسي الآن هو من سيشغل الفراغ وكيف؟ وإجاباته ستظهر في الشهور المقبلة تحت وطأة الصراعات والمناورات والانهيارات. ما يجري الآن يدور حول شكل الصيغة الجديدة، ومن أسئلتها: ماذا عن الريوع، والطائفية، والتوازنات داخل الطوائف، وشكل الشراكة الجديدة، وعلاقة اللبنانيين بالدولة والسلطة. هذه ستكون بنود "صفقة القرن" اللبنانية.