لأول مرة: تشكّل قوة ردع فلسطينية
لقد تضامن الشعبي مع العسكري كي يشكلا قوة ردع فلسطينية أولى، ومحددة. وهذه نقطة مهمة جدًا. فالحراك الشعبي في القدس ومن أجل القدس منح "الصواريخ العبثية"، كما كان يسميها محمود عباس، شرعية واسعة.
لقد تضامن الشعبي مع العسكري كي يشكلا قوة ردع فلسطينية أولى، ومحددة. وهذه نقطة مهمة جدًا. فالحراك الشعبي في القدس ومن أجل القدس منح "الصواريخ العبثية"، كما كان يسميها محمود عباس، شرعية واسعة.
لم تعد "القيادة الرسمية" تقود في أي مجال، هي لا تقود الناس، بل تقود عناصرها الأمنية لقمع الاحتجاجات المتواصلة لا غيربناء عليه، أدت المعركة إلى تثبيت الردع لا إلى إلغائه. وهو ردع مركب: شعبي- عسكري. لقد تضامن الشعبي مع العسكري كي يشكلا قوة ردع فلسطينية أولى، ومحددة. وهذه نقطة مهمة جدًا. فالحراك الشعبي في القدس ومن أجل القدس منح "الصواريخ العبثية"، كما كان يسميها محمود عباس، شرعية واسعة. لقد صارت جزءًا مركزيًا من الوعي الفلسطيني ومن قوة الردع الفلسطينية التي وُلدت ببطء وبعد معاناة هائلة. ومثّل امتداد المعركة إلى مناطق عام 1948 الاختراق المركزي في هذه المعركة. فبوصوله إلى هناك، وبهذه الشدة والقوة، استحالت المواجهة معركةً كبرى للشعب الفلسطيني، وبشكل لم يسبق له مثيل منذ "النكبة". شكّلت القدس، واللد، وغزة مراكز المعركة. وأُزيحت رام الله-السلطة جانبًا. ومنذ تلك اللحظة أصبحت الحكومة أسيرة توازن الردع الجديد الذي خُلق في فلسطين. يظهر هذا في تتابعات قضية الشيخ جراح التي تحاول حكومة بينيت حلّها عبر مفاوضات سرية مع السلطة وبوساطات أميركية، وبما يحفظ ماء وجهها ولا يستفز مستوطنيها. لكنّ هذه الحلول لم تعد ممكنة لأن سلطة رام الله لم يعد باستطاعتها تمريرها. فقد تآكلت شرعيتها تآكلًا تامًا، وصار الجهد الأميركي- الإسرائيلي منصبًا على محاولة منعها من الانهيار. بذا يمكن القول إن نهاية سلطة "أوسلو" كُتبت في الواقع في الشيخ جراح وفي اللد وفي الصاروخ الذي أُطلق من غزة. لقد انتهى "أوسلو"، وانتهت سلطته عمليًا. وما ظلّ هو الزمن المتبقي لتحويل العملي إلى رسمي. ثم جاء الهروب العظيم للأسرى الستة من سجن "جلبوع". وهنا تظهّرت قوة الردع الفلسطينية الوليدة نهائيًا. لم تعد أي عين محايدة قادرة على إغفال وجودها. فإسرائيل تبدو في ورطة كبرى في مواجة أزمة الهاربين. إذ إنها ترغب من جهة بإحضارهم أو قتلهم كما كانت تفعل بأمثالهم من قبل. لكن مخاطر ذلك قد تكون شديدة على أمنها. فالسلطة قد تنهار، وهو ما يفتح الباب أمام سيطرة "المقاتلين" على الضفة الغربية، ويحوّل الأخيرة إلى ساحة حرب كبرى. كما أن صاروخ "القدس" الشهير قد يُطلق من جديد على تل أبيب باسم "صاروخ أسرى جلبوع"، وهو ما قد يعني التمهيد لمعركة "سيف القدس 2". من أجل هذا ترتفع الأصوات في إسرائيل مطالبة بفتح الطريق للأسرى الستة كي يعبروا بسلام إلى الأردن أو سوريا، بغرض الخلاص من المأزق. قد لا يُستمع لهذه الأصوات بالطبع، وقد تدفع حكومة بينيت بالأمور نحو المواجهة تحت ضغط نتنياهو وجماعته. لكن المسار هذا قد يكون يوم جنازة سلطة رام الله. إنّ السلطة التي تنمرت على الناس في القضايا الفلسطينية الداخلية خلال الشهور الأخيرة، تدرك مأزقها مع الهاربين. وقد تعلّمت أن تكرار تصرفها في "معركة سيف القدس" سيحطّمها نهائيًا، لذلك أخذت تتصرف كما لو أنها تعلمت الدرس، ودعت إلى تجمع في المنارة لتأييد الأسرى. وهناك تجمع العشرات من رجالها يوم الأربعاء بالبدلات الرسمية في مشهد كوميدي. توازيًا مع كلّ ما سبق، تظهّر توازن داخلي فلسطيني جديد حسم من يقود على الأرض. وكان قرار إلغاء الانتخابات التي كان محسومًا أن حزب السلطة سيخسرها بعد معركة "سيف القدس" دليلًا بارزًا على ذلك. وجاء هروب الأسرى كي يؤكد هذا التوازن. فلم تعد "القيادة الرسمية" تقود في أي مجال. حبل القيادة (الفعليّة) أفلت من يديها. هي لا تقود الناس، بل تقود عناصرها الأمنية لقمع الاحتجاجات المتواصلة لا غير. أما خارجيًا، فقد صارت مهمتها تتمثل في عقد صفقات مالية - اقتصادية مع إسرائيل وأميركا من أجل وقف انهيارها. إسرائيل وأميركا هما الآن من يبقي السلطة حية. التوازن الخارجي، لا الداخلي، هو ما يحفظ حياتها. لقد سُحقت داخليًا. لم يعد لها شرعية. وهذا هو الجزء السياسي من تشكّل قوة الردع الفلسطينية.