"تحرر العصفور".
بهذه العبارة أعلن الملياردير إيلون ماسك استحواذه على منصة "تويتر" في 27 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، بعد صفقة بدأ التفاوض عليها قبل سبعة أشهر، عندما أعلن ماسك، الذي يملك شركة "تيسلا" للمركبات والطاقة النظيفة رغبته في شراء المنصة، وانتهت بقيامه بذلك بعد تجاذبات مع "تويتر" وصلت إلى حد التقاضي.
لم يكن اقتناء الرجل الأغنى في العالم المنصةَ الخبرَ الأكثر إشكالية على أهميته وتداعياته. فهذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها صفقات من هذا النوع. إلا أن التغييرات الجذرية التي شهدتها الشركة داخليًا والمنصة الإلكترونية في الأيام القليلة الماضية، أثارت شكوكًا لدى المستخدمين ومخاوف بشأن تأثير ذلك على دورها كمنبر من منابر التعبير. فهل حرّر إيلون ماسك العصفور فعلًا؟
صاحَبَ استحواذ ماسك واحدة من كبرى منصات التواصل قلقٌ حول مصير "تويتر" وما يؤديه من دور في تعزيز خطاب الكراهية أو الحد منه عن طريق إدارة المحتوى. فالإقالات الجماعية التي فرضها ماسك بذريعة إجراء تغييرات جذرية في إدارة الشركة، ولا سيما في أقسام منها إدارة المحتوى، أوحت باعتزامه فرض تغييرات على معايير إدارة المحتوى نفسها. وقد أفادت وسائل إعلام بأن الإقالات طالت أربعة مديرين تنفيذيين، منهم فيجايا غادي، وهي محامية أميركية شغلت منصب المستشارة العامة ورئيسة الشؤون القانونية والسياساتية والثقة في "تويتر"، وارتبط اسمها بقرار حظر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من "تويتر".
قدم ماسك نفسه على أنه داعم شرس لحرية التعبير، وأعلن أن "تويتر سيشكل مجلسًا لإدارة المحتوى يتضمن وجهات نظر متنوعة على نطاق واسع"
لم تكن منصة "تويتر" قبل مجيء ماسك خالية من خطاب الكراهية. إلا أن القلق من ارتفاع معدلاته واضح. فقد أجرت كلية الإعلام والاتصال في جامعة ولاية مونتكلير بولاية نيو جيرسي دراسة نشرتها في مطلع الشهر الحالي، تناولت عينة من العبارات العدائية والمسيئة والمبتذلة الموجهة ضد الأشخاص على أساس العرق والدين والإثنية والميل. ووجدت الدراسة أن هذه العبارات نُشرت 4778 مرة في الساعة خلال الساعات الـ 12 الأولى التي أعقبت إتمام الصفقة، في حين كان متوسط عدد المرات التي نُشرت فيها هذه العبارات في الأيام السبعة السابقة للإعلان هو 84 مرة في الساعة كحد أقصى. وقد غرد ماسك في هذا السياق داحضًا ما "يقال في الصحافة"، وأكد أن الالتزام القوي من جانب "تويتر" بالإشراف على المحتوى لم يتغير قط. بل إنه أشار، على النقيض من ذلك، إلى انخفاض في مستوى خطاب الكراهية.
قدم ماسك نفسه على أنه داعم شرس لحرية التعبير، فقد انتقد في السابق سياسات "تويتر" المتعلقة بحرية التعبير وشكك فيها. وأعلن في الآونة الأخيرة أن "تويتر سيشكل مجلسًا لإدارة المحتوى يتضمن وجهات نظر متنوعة على نطاق واسع"، أعقب ذلك بأيام إصداره قرارًا بإقالة نحو نصف عدد الموظفين في الشركة، وهؤلاء يعملون في أقسام منها أفرقة الثقة والسلامة (Trust and Safety) المسؤولة عن الإشراف على المحتوى، وأفرقة الذكاء الاصطناعي الأخلاقي (Ethical AI)، والتسويق، والمبيعات والتواصل، والبحث، وغيرها. كذلك أقيل أعضاء من فريق التنظيم curation team، الذي يساعد في زيادة إبراز المعلومات الموثوقة على المنصة، بحسب منشورات لموظفين على "تويتر". هذا بالإضافة إلى فرضه تعرفة قدرها 7.99 دولارات شهريًا على أصحاب الشارات الزرقاء، وهي خاصية تم تفعيلها عام 2009 لمعالجة مسألة حسابات انتحال الشخصية على المنصة وكانت تُضاف في السابق مجانًا إلى الحسابات "ذات الاهتمام العام".
هذه الخطوات، التي يبررها ماسك بالقول إنه "لم يكن أمامه خيار"، نظرًا إلى أن الشركة تتكبد خسائر تزيد على 4 ملايين دولار في اليوم، تثير تساؤلات حول تداعيات إدارة ماسك الجديدة على منصة كان لها تأثير كبير في قضايا عالمية. فالقلق من التغييرات الداخلية التي تشهدها الشركة يولد قلقًا موازيًا إزاء ما قد يطرأ على المنصة من تغييرات من حيث اهتمامات الجمهور والمستخدمين. والتغيير ليس مشكلة في حد ذاته، ولكن القرارات الانفرادية التي يتولد عنها هذا التغيير جدير بالنقد، ولا سيما في منصة تنادي بحرية الرأي والمساواة. فقد ذكر ماسك بالفعل أن هدفه من شراء "تويتر" هو تعزيز حرية التعبير وإعطاء "القوة للشعب"، ولكنه أعلن نيته فرض تعرفةٍ على الحسابات ذات الشارات الزرقاء قد تولد نظاما جديدا في حرية التعبير على "تويتر" يفرق بين من يستطيع دفع التعرفة ومن لا يستطيع. فوفقًا لماسك، يحصل المشتركون على الأولوية في الردود والإشارات والبحث، بالإضافة إلى القدرة على نشر محتوى أطول للفيديو والصوت.
لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي يومًا مرتبطة إلى هذا الحد بشخصية واحدة مثيرة للجدل تأبى أن تظل خلف كواليس الإدارة. إيلون ماسك هو الوجه الجديد لـ"تويتر"، واستحواذه المنصة لن يكون بدون تداعيات على دورها. وحدها الأيام كفيلة بالإجابة على أسئلة من قبيل: هل تحرر العصفور فعلًا؟ وهل كان محبوسًا في الأساس؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل هو قفصٌ بحلة جديدة؟