كشفت مجلة Time في خبر أوردَته قبل أيام، أن Google تفاوضت على تعميق شراكتها مع الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه على غزة، في إطار مشروع Nimbus الذي يقدّم خدمات الحوسبة السحابية (cloud computing) لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
وبحسب الوثيقة الخاصة بـGoogle، والتي اطّلعت عليها المجلة، تُوفّر Google لوزارة الدفاع الإسرائيلية ما يعرف بـ "منطقة هبوط landing zone" خاصة بها في Google Cloud، ما يسمح للوزارة بتخزين البيانات ومعالجتها، والوصول إلى خدمات الذكاء الاصطناعي.
وقد قوبل مشروع Nimbus، منذ الإعلان عنه، بتخوف من جانب موظفي شركتي التكنولوجيا المتعاقدتين مع إسرائيل ــــ Google وAmazon ــــ بسبب محدودية تفاصيل العقد المبرم أو غيابها، وكذلك بسبب افتقار Google للشفافية بشأن ما يستلزمه المشروع، وبشأن الطبيعة الكاملة لعلاقتها مع إسرائيل. فوفقًا لمجلة Time، لم تحدد Google وAmazon أو إسرائيل القدرات المعروضة على إسرائيل بموجب العقد.
جاءت هذه التسريبات بعد انضمام مئات من موظفي Google إلى حملة "لا تكنولوجيا للفصل العنصري No Tech for Apartheid"، التي تدعو إلى الانسحاب من مشروع Nimbus على خلفية انتهاك حقوق الإنسان الواجبة للفلسطينيين.
وقد تناقل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي قبل فترة فيديو يُظهر إدي هاتفيلد، الموظّف في شركة Google، يقف بين الحضور في مؤتمر عُقد في نيويورك للترويج لصناعة التكنولوجيا الإسرائيلية، ويصيح غاضبًا: "أنا مهندس برمجيات في Google Cloud، وأرفض بناء تكنولوجيا تدعم الإبادة الجماعية أو الفصل العنصري أو المراقبة". وقد حدث ذلك أثناء كلمة المدير الإداري لشركة Google في إسرائيل باراك ريجيف. وأدى موقف هاتفيلد إلى طرده بعد ثلاثة أيام من الواقعة التي وُثِّقت وانتشرت على مواقع التواصل.
ما هو مشروع Nimbus؟
مشروع Nimbus هو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار أبرمته إسرائيل مع شركتي Google وAmazon Web Services وذلك لتوفير خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية للحكومة والجيش الإسرائيليين، وفقًا لوزارة المالية الإسرائيلية التي أعلنت عن الصفقة في نيسان/أبريل من العام 2021. وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن مدة عقد Nimbus سبع سنوات أولية قابلة للتمديد لفترة قد تصل إلى 23 عامًا.
وأفادت تقارير بأن المشروع ينطوي على إنشاء Google مثيلًا آمنًا لـ Google Cloud على الأراضي الإسرائيلية، مما يسمح للحكومة بإجراء تحليل واسع النطاق للبيانات، والتدريب في مجال الذكاء الاصطناعي، واستضافة قواعد البيانات، وأشكال أخرى من الحوسبة القوية باستخدام تكنولوجيا Google، على أن يتم ذلك بإشراف محدود جدًا من جانب الشركة.
بحسب العقد، لا تستطيع شركتا Google وAmazon منع جهات معينة تابعة للحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك الجيش، من استخدام خدماتهما
وفي العام 2022، كشف موقع The Intercept، استنادًا إلى وثائق تدريب وتسجيلات فيديو حصل عليها من خلال بوابة تعليمية متاحة للعموم، أن Google يزود الحكومة الإسرائيلية بمجموعة كاملة من أدوات التعلم الآلي المتاحة من خلال منصة Google Cloud Platform.
ومشروع Nimbus، الذي يمثل أحد أكبر مشاريع تكنولوجيا المعلومات في إسرائيل، يوفّر لإسرائيل القدرات المتصلة بالتعرف على الوجوه، والتصنيف الآلي للصور، وتتبع الكائنات، وتقنية تحليل المشاعر التي تدّعي القدرة على تقييم المحتوى العاطفي للصور والكلام والكتابة.
وبرغم أن شركة Google أوضحت أن تعاونها مع إسرائيل هو لأغراض مدنية إلى حد كبير، فقد تم الكشف لأول مرة في 12 نيسان/ أبريل الجاري عن عقد يوضح أن وزارة الدفاع الإسرائيلية هي أحد مستخدمي Google Cloud.
أسباب الاحتجاج
ويستند موظفو Google في احتجاجاتهم ضد المشروع إلى ثلاث نقاط أساسية تثير قلقهم: أولًا، بيان وزارة المالية الإسرائيلية الصريح في العام 2021 الذي يفيد بأن مشروع Nimbus ستستخدمه وزارة الدفاع، وثانيًا، طبيعة الخدمات التي يرجح أن تكون متاحة للحكومة الإسرائيلية ضمن Google Cloud؛ وثالثًا، عجز Google عن رصد ما قد تصنعه إسرائيل بتكنولوجيتها. فبحسب العقد، لا تستطيع شركتا Google وAmazon منع جهات معينة تابعة للحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك الجيش، من استخدام خدماتهما.
وخلال العامين الماضيين، اعتصم العديد من موظفي Google وAmazon ضد مشروع Nimbus، معتبرين أن الشركتين توفران أدوات تسهم في الفصل العنصري الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين.
تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في حرب غزة تتطلب على ما يبدو البنية التحتية الحاسوبية السحابية التي يتيحها مشروع Nimbus
ويحاول موظفو Google وAmazon المناهضين للمشروع إسقاطه، وإجبار الشركتين على قطع جميع العلاقات مع الجيش الإسرائيلي. فبحسب بيان صادر عنهم بعد الإعلان عن العقد، أشار الموظفون إلى أن هذه التكنولوجيا ستسمح بمزيد من المراقبة وجمع البيانات غير القانونية عن الفلسطينيين، وستسهل توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية. واعتبروا أن "التكنولوجيا التي تعاقدت شركتانا على بنائها ستجعل التمييز والتهجير المنهجيين اللذين يمارسهما الجيش والحكومة الإسرائيليان أكثر قسوة وفتكًا بالفلسطينيين".
وحذر 1700 موظف في Amazon في عريضة وقّعوها من أنه بتوفير منظومة سحابية للقطاع العام الإسرائيلي، "تقوم Amazon بتعزيز قدرات الجيش الإسرائيلي في مجال الذكاء الاصطناعي والمراقبة المستخدمة لقمع الناشطين الفلسطينيين ولفرض حصار وحشي على غزة".
ليست المرّة الأولى
ليس مشروع Nimbus المرة الأولى التي تتعارض فيها ممارسات Google مع مبادئ حقوق الإنسان التي تقول إنها تلتزم بها. فبرغم تأكيد Google أنه لا يمكن استخدام خدمة Google Photos في أنشطة "تسبب ضررًا جسيمًا وفوريًا للأشخاص"، تستخدم إسرائيل، بحسب تقرير لصحيفة New York Times نُشر الشهر الماضي، تكنولوجيا التعرف على الوجوه في إطار عملياتها العسكرية في قطاع غزة. وتستعين وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وفقًا للتقرير، بخدمات Google Photos ضمن برنامج التعرف على الوجوه.
ليس هناك دليل قاطع على استخدام تقنية Google Cloud لأغراض الاستهداف العسكري، لكنّ تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في حرب غزة تتطلب على ما يبدو البنية التحتية الحاسوبية السحابية التي يتيحها مشروع Nimbus.
فهل تكون شركات التكنولوجيا هي أيضًا شريك في الحرب على غزة وترسيخ نظام الفصل العنصري، وكيف يمكن تحقيق المساءلة عن ذلك؟