إنجاز المغرب في المونديال: ليس ضربة حظ

يُدرك لاعبو المغرب جيدًا امتلاكهم ناصية منافسة الكبار، وأن ما حققوه، حتى الآن، كما أوردت وسائل إعلام متابعة كثيرة، لم يكن من قبيل المصادفة أبدًا.

لم تتعاطَ وسائل الإعلام الكبرى مع تأهل المغرب إلى الدور ربع النهائي من كأس العالم بصفته محض "صدفة". كاد عنوان المقالة المنشورة على موقع CNN حول مجريات المباراة يتطابق مع ذاك الذي خصّت به شبكة ESPN الرياضية تعليقها على النتيجة. ففي عنواني المقالتين استُخدمت عبارة واحدة: ليس تأهّل المغرب "ضربة حظ". 

ولعلّ هذا الانطباع يعبّر كذلك عن الحماسة التي أبداها مدرّب المنتخب المغربي وليد الركراكي، هو الذي ذهب بعيدًا في إيمانه بلاعبيه: "لمَ لا نحلم بالفوز بكأس العالم؟ لن نتوقف هنا!"، قال قبيل إطاحة فريقه بمنتخب إسبانيا في الدور ثمن النهائي من المونديال.

قبل مباراة المغرب الأخيرة، ظنّ البعض أن المفردات تلك تعود إلى رجل لم يعُد لديه ما يخسره بعد تجاوز دور المجموعات، أو أنها تحيل إلى ثقة بالنفس يتظاهر بها مدرب منتخب لم يتجاوز الدور الثاني في تاريخه، أمام منافس حائز على كأس العالم وأوفر حظًا للتأهل. لكن الركراكي الذي يُقدر جيدًا قوة فريقه كان يُخرج نفسَه من الإطار التقليدي لسابقيه، مدركًا أن الفرصة الآن مؤاتية أكثر من أي وقت مضى لتحقيق إنجاز ما، بما يمتلكه من لاعبين يكتمل نضجهم الكروي في هذه المرحلة من مسيرتهم، وتُصقل تجاربهم مع أندية أوروبية عريقة.

تفوّق المغرب على إسبانيا أول من أمس بركلات الترجيح بعد 120 دقيقة شهدت كدًا وعرقًا وتركيزًا دفاعيًا كبيرًا، وانتهت بتصدي الحارس ياسين بونو لركلتي ترجيح قبل أن يتقدّم أشرف حكيمي، ظهير المنتخب المغربي وفريق باريس سان جيرمان، مسددًا بثبات وأناقة ركلة الفوز.

كرّر "أسود الأطلس"، بهذا الفوز، إنجاز ثلاثة منتخبات أفريقية سبق أن بلغت الدور الثمن النهائي، هي الكاميرون عام 1990، والسنغال عام 2002، وغانا عام 2010، وهو الحد الأقصى الذي بلغته منتخبات القارة السمراء في تاريخ كأس العالم الممتد منذ العام 1930. وتفوّق المغرب - في مساره نحو هذا الإنجاز - على كرواتيا وبلجيكا وكندا، قبل أن يُضيف إسبانيا إلى قائمة ضحاياه. وهو لم يستقبل سوى هدف وحيد جاء بنيران صديقة.

سيكون من شأن هذه النتائج أن تضع "أسود الأطلس" في رأس قائمة تصنيف المنتخبات الأفريقية المنتظر صدوره قريبًا من "الفيفا"، كما ستُعزز من تصنيفه الدولي ليُلامس المقاعد العشرة الأولى أو يكاد.

على الأغلب أن هذا الزخم الجماهيري قلّص من الفجوة الفاصلة بين المنتخبات الكبرى ونظيراتها العربية

رأس الأفوكادو: الكلّ للواحد والواحد للكلّ

قبل ثلاثة أشهر فقط من بداية المونديال، رضخ الاتحاد المغربي للضغوط الإعلامية والجماهيرية، واتخذ قرارًا يقضي بإقالة المدرب البوسني وحيد خليلوزيتش. تكمن صعوبة القرار في ضيق الوقت المتاح للمدرب الجديد قبل خوض المنافسة في مجموعة قوية جدًا في كأس العالم.

خلق اختيار وليد الركراكي، البالغ من العمر 47 عامًا والملقب بـ "رأس الأفوكادو"، لخلافة خليلوزيتش، بعض الريبة. لم يسبق لوليد تدريب منتخب وطني، لكنه في المقابل يعرف طريق البطولة. فهو قادم من تجربة ناجحة مع "الوداد الرياضي" الذي فاز بالدوري المحلي ودوري أبطال إفريقيا.

كثر باتوا يرون اليوم أن وجود الركراكي هو كلمة السر الحقيقية للمنتخب، لأنه تمكن من تحويله إلى أسرة تلعب على قلب رجل واحد، وهي سمة لطالما افتقدها المنتخب الوطني.

وبخلاف عامل الروح الجماعية، ثمة عوامل أخرى مهدت طريق النجاح، منها الطاقم المساعد للركراكي وعلى رأسه موسى الحبشي، مُحلل الأداء السابق لمنتخب بلجيكا في مونديال روسيا 2018.

وقد فرض الركراكي نفسه واحدًا من أفضل المدربين في مونديال 2022 حتى الآن لناحية امتلاك خطة لعب واضحة، تجلّت في تعطيل مفاتيح خطورة منتخب إسبانيا الغني بلاعبين يتمتعون بالقدرة على التدرّج بالكرة، بهدف خلق مساحات خطورة في العمق. تقول إحصائيات المباراة إن إسبانيا استحوذت على الكرة بنسبة 75%، لكنها، في المقابل، صوّبت الكرة مرتين فقط طوال 120 دقيقة على مرمى ياسين بونو!

تحرّك لاعبو المغرب ككتلة واحدة، ونجحوا في تضييق مساحات الملعب ومنع منافسيهم من إيصال الكرة بأريحية للثنائي الشاب بيدري وغافي، وبرز هنا دور متوسط الميدان سفيان مرابط، لاعب فيورنتينا الإيطالي، وأحد أهم نجوم النسخة المونديالية الحالية.

السيناريو الذي رسمه الركراكي لمباراة إسبانيا جرى تنفيذه بشكل مثالي: تأمين دفاعي قوي وإطالة أمد المباراة قدر الإمكان، وتقليل الأخطاء للحد الأدنى مع العمل على خطف هدف إن أمكن أو الوصول إلى ركلات الترجيح.

جمهور عربي يضيّق الفجوة

بلغ عدد الحضور في المباراة 44,667 شخصًا، شكّل المغاربة بينهم غالبية ساحقة. حتى أن مراسل "واشنطن بوست" علّق على الأمر في تغطيته بالقول إن 44,666 من بين 44,667، بدوا مغاربة. إذ إن المدرجات كانت تشتعل كلما استحوذ لاعبو المنتخب المغربي على الكرة، ويسودها صمت مطبق كلما خسروها.

لا يُمكن، انطلاقًا من هنا، إغفال تأثير إقامة هذه النسخة المونديالية في دولة عربية. إذ إنّ هذا العامل حوّل المدرجات القطرية لما يشبه الملاعب المحلية للمنتخبات العربية، مع وجود جاليات عربية كبيرة في الدوحة ودول الخليج القريبة كالإمارات والسعودية، فـ"لولا الجمهور، لما تحقّق هذا الإنجاز"، قال الركراكي مؤكدًا في تعليقه على الفوز.

على الأغلب أن هذا الزخم الجماهيري قلّص من الفجوة الفاصلة بين المنتخبات الكبرى ونظيراتها العربية. إذ شاهدنا السعودية تفوز على الأرجنتين المرشحة، وتونس على فرنسا حاملة اللقب، والمغرب يتفوق على كرواتيا وبلجيكا وإسبانيا.

ماذا عن ربع النهائي؟

يصطدم المنتخب المغربي في ربع النهائي بنظيره البرتغالي على ملعب الثمامة في مواجهة مُكررة من مونديال روسيا 2018، عندما تقابل المنتخبان في دور المجموعات وفازت البرتغال بهدف وحيد أحرزه كريستيانو رونالدو. لكن كريستيانو الآن لم يعُد كما كان، ولا المغرب ظلّ كما كان أيضًا. برغم ذلك، فإن البرتغال ظهرت حتى الآن كفريق قوي ومتماسك، وقدم أداءً قويًا في البطولة بشكل تصاعدي، كلّله بفوز معبّر على سويسرا بنتيجة 6-1.

يرى الصحافي والمعلّق الرياضي المغربي يونس الخراشي أن المباراة ستكون شبيهة بلقاء إسبانيا؛ "إقصائية مغلقة، لا يُغير الركراكي من أسلوبه فيها إلا إذا نجح في تسجيل هدف مبكّر". لكن الحذر والاحتياط الدفاعي، يضيف الخراشي، "سيكونان السمة الأساسية للفريق المغربي".

في ربع النهائي، ستصطدم فرنسا بإنكلترا في قمة أوروبية، وهولندا بالأرجنتين في مواجهة حامية، والبرازيل بكرواتيا وعين الأولى على النهائي منذ الآن.

أما المغرب، فسيكون الفريق الوحيد من خارج أوروبا وأميركا الجنوبية بين الثمانية الكبار. وأما لاعبوه، فيُدركون جيدًا امتلاكهم ناصية منافسة الكبار، وأن ما حققوه، حتى الآن، تمامًا كما أوردت وسائل إعلام متابعة كثيرة، لم يكن من قبيل المصادفة أبدًا.