سوريا والمساعدات: الإغاثة لا تكفي

المساعدات الإغاثيّة لسوريا تبقى، على أهميتها، محدودة الأثر. إذ عدا عن آلية توظيفها من خلال مشاريع ذات مردود هامشي، وأثر البيروقراطية والهدر والفساد، فإن اعتمادية الاقتصاد السوري على الخارج تجعل منه اقتصادًا هشًا.

تؤدي الاستجابة المحلية والدولية دورًا مهمًا في مساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية وفي إعادة إعمار ما تهدّم، لا سيما في الأسابيع التالية لوقوعها. لكنّ تجارب العديد من الدول تُثبت أن المساعدات الإغاثية العينيّة المقدّمة بُعيد وقوع الكارثة مباشرةً، هي ذاتُ فاعليّة محدودة. فإلى أي مدى ينطبق هذا الأمر على سوريا؟ وما الذي تقوله لنا تجارب مشابهة؟

زلزال نيبال: تجربة مشابهة

عام 2015، ضرب نيبال زلزالان بقوّة مشابهة لزلزالي تركيا وسوريا، إذ قُدرت قوّة الأول (نيسان 2015) بـ7.8 درجات على مقياس "ريختر" والثاني (بعد الزلزال الأول بأسبوعين تقريبًا) بـ7.3 درجات. وتشبه الظروف العامة في نيبال تلك الخاصة بسوريا من أوجه عدّة، تحديدًا لناحية كثرة الأزمات السياسية واستشراء الفساد الداخلي وحدّة التجاذبات الإقليمية المحيطة بالبلاد. 

تخبرنا التجربة النيبالية أن المساعدات العينية تُستهلَكُ خلال فترة قصيرة، وتتراجع أهميّتها أمام بروز الحاجة إلى تدعيم المنظومتين التعليمية والصحية وتأمين المسكن وسبل العيش. فالمعونات المباشرة، مهما بلغ حجمها، لا تسدّ الحاجات الأخرى الحيويّة على المديين المتوسط والبعيد. 

ففي نيبال، مثلًا، بلغ حجم المساعدات المقدَّمة من برنامج الأغذية العالمي وحده أكثر من 3,400 طن من المعونات الإغاثية (غذاء، أدوية، خيم...)، إلى جانب المساعدات المقدمة من عشرات الدول. كما تلقّت البلاد نحو 4.1 مليار دولار لدعم إعادة الإعمار، نصفها تقريبًا بصيغة قروض ميسرة، والنصف الآخر بصيغة منح غير مستردّة. وقد مثّل هذا المبلغ نحو نصف احتياجات نيبال لإعادة الإعمار. لكن الفساد، وسوء إدارة المساعدات، والتجاذبات الإقليمية، أخّرت عملية إعادة البناء وأطالت أمدها لنحو ستّ سنوات.

كما تفيد تجربة نيبال بأن النمو الاقتصادي الذي يحصل في العادة بعد كوارث من هذا النوع، هو نمو مؤقت وفُقاعي. فالمساعدات تؤدي إلى حدوث عمليات شراء واسعة النطاق لعدد من السلع الاستهلاكية الأساسية. لكنّ الاندفاعة تلك يتبعها في العادة تراجع كبير في النشاط الاقتصادي، على اعتبار أن حجم استهلاك مئات آلاف المتضررين محكوم بالانخفاض، تدريجيًا، بعد نضوب المساعدات. 

هل للمساعدات انعكاسات سلبية على الاقتصاد؟

إلى جانب محدوديّة أثر المساعدات العينيّة الإغاثيّة زمنيًا، فإن للأخيرة أثرًا جانبيًا مُضِرًّا بالاقتصاد. إذ تتسبّب بانخفاض حجم شراء المنتجات المُصنَّعة محليًا، خصوصًا في الحالات التي يفتقر فيها الاقتصاد إلى المرونة الكافية لاستيعاب كمّ كبير من المساعدات العينيّة، كما هو حال الاقتصاد السوري. فالسّوق السورية ضيقة، والقوة الشرائية فيها منخفضة، والأسواق الخارجية المفتوحة أمام صادراتها محدودة.

لا يمكن فصل الدمار الذي خلّفه الزلزال عن تضرّر البنية التحتية بفعل الحرب، وثمة حاجة ملحّة لوضع آلية شاملة لإعادة إعمار

بهذا المعنى، فإن المساعدات الإغاثيّة تبقى، على أهميتها، محدودة الأثر. فتعويضات بدل الإيجار وبيوت الطوب لا تنتج إلا حلولًا مؤقتة، فيما الأسئلة الأكثر أهميّة تبقى معلّقة: كيف سيتمُّ تأمينُ مأوى دائم للعائلات التي دُمرت بيوتها كليًا، أو تلك التي لم تعد بيوتها قابلة للسكن؟ وكيف ستُعاد تهيئة البنى التحتية المتضررة (المدارس وخزانات المياه وشبكات الصرف الصحي والطرقات والمؤسسات الحكومية…)؟

ماذا عن أولويات الدول المانحة؟

في أعقاب زلزال 6 شباط، أطلقت الأمم المتحدة نداءً لجمع مساعدات دولية لسوريا بقيمة 400 مليون دولار. لكن هل الوضع في سوريا يستوي بعقد المزيد من مؤتمرات المنح والمساعدات الإغاثية؟ 

يُعقد سنويًا مؤتمر للدول المانحة لسوريا، يبلغ فيه حجم التعهدات السنوية مليارات الدولارات. وقد بلغ حجم المساعدات التي تعهدت بها الدول المانحة في المؤتمر الذي عقد في أيار 2022 في بروكسيل أكثر من 6.4 مليار يورو، وهو ما يعادل أضعاف ما وصل من مساعدات دولية (وما قد يصل مستقبلًا) لمختلف المناطق السورية بعد الزلزال. مع ذلك، فإن الوضع المعيشي للسوريين يتجه إلى مزيدٍ من التدهور، وذلك باعتراف الأمم المتحدة نفسها. 

بالنتيجة، فإنّه من غير المُتوقَّع أن تغيّر المساعدات الدولية الجديدة لسوريا شيئًا في الواقع المعيشي للسوريين. إذ عدا عن آلية توظيفها من خلال مشاريع ذات مردود هامشي على معيشتهم، وأثر البيروقراطية والهدر والفساد، فإن اعتمادية الاقتصاد السوري على الخارج (مساعدات دوليّة وتحويلات سوريين) تجعل منه اقتصادًا هشًا لارتباطه الوثيق بظروف الدول المانحة وانعكاس وضعها الاقتصادي على ملاءة السوريين المقيمين فيها كما حصل فعلًا في لبنان ومصر وتركيا وأوروبا أخيرًا (تفيد بعض التقديرات بأن نحو  70% من العائلات في سوريا تعتمد على التحويلات من الخارج)، وكذلك باحتمال تغيّر أولويات هذه الدول كما حصل على مدار الأعوام الماضية، وبدرجة أخص بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.

ولأنه من غير الممكن فصل الدمار الذي خلّفه الزلزال عن الضرر الهائل في البنية التحتية والمباني بفعل الحرب، تضحي الحاجة إلى وضع آلية لإعادة إعمار شاملة أكثر إلحاحًا، وكذلك الأمر بالنسبة لرفع العقوبات، علمًا بأن الأخيرة مرهونة بحل سياسي للأزمة السورية عبر تسوية إقليمية ودولية بين الأطراف المتنازعة، تبدو حتى اللحظة بعيدة المنال.