مصر في الـ"بريكس": الكثير من اللاشيء

ما هو المعنى الحقيقي لانضمام مصر إلى مجموعة الـ"بريكس"؟ وهل يمكن معالجة مشكلات مصر الاقتصادية من دون اجتراح حلول تبدأ من إحداث تغيير جذري في السياسات، بدلًا من استجداء المساعدة من الخارج؟

أعلنت المجموعة الاقتصادية الدولية "بريكس" ضمّ مصرَ إلى عضويتها إلى جانب خمس دول أخرى، هي السعودية وإيران والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا. ولم يكد رئيس جنوب إفريقيا يعلن انضمام مصر، حتى أطلقت الأذرعُ الإعلامية التابعة للسلطات المصرية موجةَ دعاية تضخّم الحدث عبر حساباتٍ ومواقعَ وصحف وقنوات تلفزيونيّة، وتزفُّ للناس بشرى الانتصار العظيم والانجازِ الكبير الذي سيغيّر وجه العالم، ويقوّض الهيمنة الأميركية ودولارَها إلى الأبد.

جاء كلّ هذا مرفقًا بتسويق فكرة مفادُها أن قرار الضمّ إلى المجموعة يأتي تتويجًا لإنجازات النظام المصري ونجاحاته غير المسبوقة، التي تدعمُها إحصائياتٌ وأرقام ضخمة.

ما هي مجموعة الـ"بريكس"؟

قبل نحو عشرين عامًا، نشأت فكرة الـ"بريكس"، وهي عبارة عن تجمّع لعدد من الدول الصاعدة اقتصاديًا، غايتُه توسيع تمثيل الإدارة والحوكمة الاقتصادية العالمية التي تهيمن عليها مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة ).

وكانت مجموعة الـ"بريكس" محصورة في البداية بالصين والهند وروسيا والبرازيل، وهي دول تمثل نسبة ضخمة من سكان العالم. وبرغم النمو الكبير والطفرة الاقتصادية التي حققتها هذه الدول، إلا أن التجمع لم يحقّق الكثير من الإنجازات، وذلك بسبب تباين السياسات والتنافس بين أعضائه، كما هو الحال بين الصين والهند اللتين تشهدان نزاعًا حدوديًا يتطوّر أحيانًا إلى اشتباكات مسلحة، منها ما وقع نهاية عام 2020، وأدى إلى مقتل 20 جنديًا هنديًا وأربعة جنود صينيين، علمًا أنّ آخر جولة من الاشتباكات هذه حدثت في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ونتجت منها إصابات عدة في الجانبين.

ليس هذا معناه أن المجوعة غير مهمّة. إلا أنّ أهميتها محدودة، سواء بالنسبة للدول الأعضاء أو لغيرها من دول الجنوب، التي يمكن أن تستفيد من إعادة هندسة الاقتصاد العالمي الذي يصب في مصلحة دول الشمال والدول الصناعية الكبرى. كما تتيح المجموعة إمكانية لعب أدوار أكبر في المستقبل، لجهة المشاركة في إدارة الاقتصاد العالمي أو اعتماد سياسات مالية ونقدية بديلة، وهو ما بدأت مؤشراته بالظهور مع إنشاء "بنك التنمية الجديد" التابع للمجموعة.

حتى لو انتهت هيمنة الدولار، ستظل مصر محتاجة إلى الإنتاج والتصدير حتى تتمكن من شراء احتياجاتها من العالم

قصارى القول إنّ التجمع مهم بلا شك، لكن ليس بالقدر الذي يُمَثّلُ في الإعلام المصري وإعلام الدول المنضمة حديثًا إلى المجموعة. إذ إنّ هذا التوسع قد يحوّل المجموعة إلى منتدىً أضخم، لكن بفاعلية أقل، وفق ما يرى الخبير الاقتصادي ووزير الخزانة البريطاني الأسبق جيم أونيل، الذي كان أوّل من أطق اسم BRIC على مجموعة الدول المذكورة (كانت أربع دول في البداية)، وذلك في ورقته التي نشرها بنك Goldman Sachs في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2001، أي قبل أن تتبنّى دول المجموعة هذه الفكرة وتبادر إلى تطبيقها بثماني سنوات. وقد اختصر أونيل ذلك  قائلًا إنه "من الصعب أن نرى ما فعلته المجموعة غير الاجتماع سنويًا".

كيف يفيد الانضمام إلى الـ"بريكس"؟

بعيدًا عن تقييم مجموعة الـ"بريكس" وأدوارها المحتملة على الصعيد الدولي، يمكن القول إن النظام المصري لا يبدو مدفوعًا بالانضمام إليها سوى لسببين رئيسيّين:

أول هذين السببين يتمثل بالدعاية المطعّمة بشعارات وأرقام مبالغ فيها تُسيل لعاب مؤيّديه وتعطي الأمل لكثير من المصريين. فالانضمام إلى تحالف يمثّل ربع اقتصاد العالم، وخُمس التجارة الدولية، و40% من سكان العالم، لا بد أن يظهر كخطوة غاية في الأهمية.

لكن، في الحقيقة، إنّ تصوير الانضمام إلى الـ"بريكس" كما لو كان حلًا لمشكلات مصر الاقتصادية هو محض تدليس. إذ إنّ مشكلة الاقتصاد المصري أكبر وأعمق من أزمة الدولار. فحتى لو انتهت هيمنة الدولار وأصبحت العملة الكونية هي اليوان الصيني بل الروبل الروسي أو حتى البيزو المكسيكي، ستظل مصر محتاجة إلى الإنتاج والتصدير حتى تتمكن من شراء احتياجاتها من العالم، وسنظل في مكاننا مع تغيير اسم الأزمة.

ويمكن هنا إلقاء نظرة على الميزان التجاري بين مصر ودول الـ"بريكس"، والذي يعاني من اختلال ضخم، حيث بلغت الصادرات المصرية عام 2022 ما قيمته 4.9 مليار دولار، بينما بلغت الواردات 26.4 مليار دولار، وذلك في ظل وجود بعض اتفاقيات المقايضة والتعامل بالعملات المحلية حاليًا بالفعل. لكن على افتراض أن الدولار سيختفي من العالم، فإن السؤال سيبقى هو نفسه: كيف ستدفع مصر قيمة وارداتها من الصين (على سبيل المثال)، التي تبلغ ثمانية أضعاف صادراتها إليها (14.4 مليار دولار مقابل 1.8 مليارًا)، سواء كان ذلك بالدولار أو باليوان أو بالسحتوت؟

الحديث عن انضمام مصر إلى منظمة تمثل ربع اقتصاد العالم هو معلومة صحيحة من حيث المبدأ. لكن الاقتصاد المصري يمثل أقل من نصف في المئة من الاقتصاد العالمي، وإضافة مصر إلى المجموعة التي تمثل 26% من هذا الاقتصاد سيجعل حجمه نحو 26.4%، وهذا لا يعني إحداث تغيير مُعتبر في الوضع الاقتصادي للمجموعة. وهذا ما يجدر أخذه في الحسبان عند تقييم هذا الانضمام.  

حري بالنظام العمل على نقل الخبرات الاقتصادية والصناعية والعلمية (وحتى السياسية) التي صنعت الطفرة في دول الـ"بريكس"

ثانى أسباب الانضمام إلى "بريكس" تتمثل في تطلع النظام المصري إلى مصدر جديد للديون التي أدمنها وأغرق بها اقتصاد البلد، وهو ما ظهر جليًا في أول تعليق لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، عقب إعلان الانضمام، حيث أعرب عن سعادته بالقرار قائلًا إن المجموعة تضم بنك تنمية يمنح "أعضاءه قروضًا ميسّرة للمشروعات التنموية، وهو ما يفتح لمصر المجال للحصول عليها".

في المقابل، ثمة فوائد للدول الشريكة ينطوي عليها ضم مصر إلى المجموعة. فمصر سوق استهلاكية ضخمة يقدر عدد سكانها بنحو 110 مليون نسمة. وفي ظل الوضع الاقتصادي الحالي، واختلال الميزان التجاري المصري، والضعف الشديد في القدرة التنافسيّة، ستكون مصر مفعولًا به، وستغدو التسهيلات الجمركية في مصلحة اقتصادات تلك الدول.

لكن إذا أراد النظام فعلًا توظيفَ الانضمام إلى هذا المنتدى بما يفيد مصر بشكل جدّي، فحري به العمل على نقل الخبرات الاقتصادية والصناعية والعلمية (وحتى السياسية) التي صنعت الطفرة في دول الـ"بريكس"، مثل تسهيل عمليات نقل التكنولوجيا، وتوطين الصناعات، وتجربة البرازيل الناجحة في محاربة الفقر على سبيل المثال.

غير أن السلطات المصرية تبدو أبعد ما يكون عن ذلك. فلو كانت تمتلك الحد الأدنى من الكفاءة والرغبة بالنهوض الحقيقي بمصر، لما أقدمت على جريمة تصفية قلعة صناعية مهيبة مثل "شركة الحديد والصلب" وبيع أصولها كخردة، بعد نحو سبعين عامًا من العمل، في الوقت الذي تحتل فيه صادرات الحديد والصلب المرتبة الثانية في حجم الواردات المصرية، التي بلغت عام 2022 ما قيمته 5.1 مليار دولار، علمًا أنها كانت قادرة على تجديد الشركة بتكلفة أقل من المشاريع العديمة الجدوى التي استنزفت اقتصاد الدولة.

الأكيد، بناء على ما سبق وغيره الكثير، أنّ اجتراح الحلول لأزمات مصر لا يتمثل في الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، بل في أسلوب الإدارة السياسية والاقتصادية للدولة. بعد ذلك، يأتي البحث خارج الحدود. فالعالم يحترم من يساعد نفسه أولًا. أما الأنظمة الفاشلة فهي ليست سوى غنائم وفرص، تنتهزها الدول الأخرى للحصول على أكبر قدر من الفوائد. حلُّنا الوحيد في مصر يتمثل في أن نصبح فاعلين حقيقيين، لا مفعولًا بهم، لأن لا أحد يمتلك متسعًا من الوقت وفائضًا من الموارد لإنقاذنا. 

مصر و"حماس": مسار العلاقات المتأرجحة

مع دخول الحرب على غزة شهرها السادس، كيف بلغنا احتمال قطع غزة عن مصر تمامًا؟ وما هي مراحل تحوّل العلاقات..

أحمد عابدين
أملٌ لا يذوي

في ستينيات القرن الماضي، صاغ عالم النفس الأميركي مارتن سيليغمان نظريته الشهيرة "اليأس المكتسب"، وشرح من..

أحمد عابدين
كيف نفهم الموقف المصري مما يجري في غزة؟ ‎

يسعى النظام المصري إلى استغلال أجواء الحرب من أجل استعادة قبضته الأمنية التي بدأت تضعُف مع تصاعد..

أحمد عابدين

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة