مصر و"حماس": مسار العلاقات المتأرجحة
مع دخول الحرب على غزة شهرها السادس، كيف بلغنا احتمال قطع غزة عن مصر تمامًا؟ وما هي مراحل تحوّل العلاقات بين القاهرة و"حماس" منذ عام 2011؟
مع دخول الحرب على غزة شهرها السادس، كيف بلغنا احتمال قطع غزة عن مصر تمامًا؟ وما هي مراحل تحوّل العلاقات بين القاهرة و"حماس" منذ عام 2011؟
يباشر الجيش الأميركي ببناء رصيف ميناءٍ عائم على شاطئ قطاع غزة خلال الأيام القليلة القادمة، وذلك ـــ وفق ما يقول ـــ بهدف إيصال المساعدات الإنسانية التي يتعثّر إدخالها إلى القطاع. وتنطوي هذه الخطوة على عملية استبدال معبر رفح بمنفذ آخر، وهو ما يعني عمليًا تعميق الفصل بين مصر وغزة.
وتأتي هذه الخطوة بعد محاولات إسرائيلية عدة لاحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الفاصل بين مصر والقطاع، وإعلان الاحتلال نيته شن هجوم بري على مدينة رفح، في ظل موقف مصري مُعلن رافض للأمرين، خشية أن يؤديا إلى تهجير مئات آلاف الفلسطينيين إلى صحراء سيناء المصرية.
يقول مصدر مصري مُطّلع على ملف غزة إن أحد أسباب القرار ربّما يتمثّل بفصل مصر تمامًا عن غزة، على اعتبار أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى استبدال إدخال المساعدات من رفح بخيارات أخرى، من بينها الإنزال من الجو واستحداث الميناء العائم وفتح بعض معابر القطاع مع إسرائيل، بالتوازي مع إخلاء المنطقة الحدودية مع مصر عبر ترحيل الفلسطينيين من رفح إلى شمال القطاع. وبذلك تكون مبررات مصر ودوافعها المعلنة لرفض احتلال المحور قد انتهت، فيما القطاع محاصر تمامًا وخاضع لاحتلال عسكري من الجوانب كافة.
كيف بلغنا هذه النقطة، وما هي مراحل تطوّر العلاقات بين القاهرة و"حماس" منذ عام 2011 تحديدًا؟
منذ اندلاع "ثورة يناير" عام 2011، مرّت العلاقات بين القاهرة وغزة بتحوّلات كثيرة. فبعد إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك، تعاملت القاهرة مع غزة بشكل مختلف عما كان عليه الحال سابقًا، حيث كُسر الحصار المفروض على القطاع وفُتح معبر رفح أمام القوافل الإنسانية الدولية التي كان مبارك قد شارك في منع عبورها.
ولعب المجلس العسكري دورًا مهمًا في إتمام صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير لدى المقاومة في غزة لأكثر من خمس سنوات جلعاد شاليط، وهي صفقة أسفرت عن الإفراج عن نحو ألف أسير فلسطيني في المعتقلات الإسرائيلية، من بينهم الأسير الذي سيصبح أحد أبرز الأسماء في تاريخ القضية الفلسطينية، يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في غزة، والذي أدّى إصرار الحركة على خروجه مع مجموعة أخرى من الأسماء إلى تأخير عملية التبادل لأكثر من ستة أشهر.
ثم، خلال فترة حكم جماعة "الإخوان المسلمين"، شهدت العلاقات بين السلطات المصرية وحركة "حماس" تقاربًا مردّه الخلفية الأيديولوجية المشتركة. لكنّ هذه العلاقة سرعان ما شابتها الاضطرابات بعد اندلاع أعمال الإرهاب والعنف في شبه جزيرة سيناء، خصوصًا تلك التي استهدفت قوات الجيش المصري، وهو ما أدّى إلى انصياع نظام "الاخوان" إلى توجّه الجيش للتضييق على القطاع عبر إغراق بعض الأنفاق الواصلة إلى سيناء لوقف تدفّق الأسلح إليها، وفق ما أعلن مساعد الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي، عصام الحداد، في حوار مع وكالة "رويترز".
بعد عزل مرسي من رئاسة مصر في يوليو 2013، تفجرت الأوضاع الأمنية في سيناء بشكل أكبر وتوالت العمليات الإرهابية وتضخّمت قوّة الجماعات الجهاديّة المسلحة. وحمّلت السلطات المصريّة الجديدة مسؤولية ذلك إلى حركة "حماس"، وهو أمر صاحبه هجوم إعلامي ضخم على الحركة وجماعة "الإخوان" التي باشر النظام الجديد باجتثاثها في مصر، وقام بالتوازي مع ذلك بتشديد الحصار على غزّة إثر عملية عسكرية موسعة استكملت هدم الأنفاق وإغراقها ثم إخلاء الشريط الحدودي من سكانه.
بدأت هذه العلاقة تتغيّر عام 2015، حيث بذلت أطراف عدة جهودًا لإحداث تقارب بين القاهرة والفصائل الفلسطينيّة في القطاع. وصاحب ذلك صعود للسنوار داخل صفوف الحركة، فأصبح عضوًا في المكتب السياسي وممثلًا فيه لـ"كتائب القسام". ثم تولّى مسؤولية ملف الأسرى الإسرائيليين لدى الحركة، الذي تُشارك فيه المخابرات المصرية بشكل كبير، وصولًا إلى ترؤسه الحركة داخل القطاع عام 2017 بموازاة استبعاد بعض الرموز والأسماء غير المرحب بها في القاهرة من صدارة "حماس". كذلك أقدمت الحركة خلال هذه الفترة على إزالة جميع شعارات جماعة "الإخوان" وصور قادتهم، بما في ذلك صور مؤسس الجماعة حسن البنا والرئيس الراحل محمد مرسي.
ترى "حماس" أن العلاقات مع مصر كان ينبغي أن تكون أكثر تقاربًا، وتعتبر أنها تمثّل الواجهة الأمنية الحامية للأمن القومي المصري مقابل إسرائيل
وتطوّرت العلاقات لاحقًا لتأخذ شكلًا من أشكال التعاون والتنسيق، خصوصًا لناحية التعامل مع التنظيمات الإرهابية المسلحة الناشطة على جانبي الحدود المصرية ـــ الفلسطينية والعناصر المنشقة عن الحركة التي انضمت إلى "ولاية سيناء"، وهو ما دفع هذه التنظيمات، وعلى رأسها تنظيم "الدولة الإسلامية"، إلى إصدار فتوى بتكفير الحركة والدعوة لقتالها وتصفية أحد الأشخاص بتهمة التعامل معها في شريط مصوّر، ومحاولة تفجير موكب رئيس حكومة غزّة رامي الحمد لله.
ويقول مصدر مصري مطلع على العلاقات مع القطاع إن الأجهزة المصرية كانت تنظر إلى "حماس" قبل 2011 بوصفها تهديدًا للمصالح المصرية. ثم تحوّل الموقف إلى اعتبارها تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، حيث حمّلتها القاهرة مسؤولية التصرفات الصادرة عن عناصر داخل القطاع، سواء كانت تابعة للحركة أو غير تابعة، بحكم سيطرتها عليه وحكمها له.
ويضيف أن الأمر تعاظم بعد عام 2013، حيث كان موقف "حماس" داعم لتنظيم "الإخوان"، وهو ما دفع أجهزة الدولة إلى اتخاذ إجراءات جادة وواضحة حيال الحركة. وبرغم ذلك، فقد حرصت أجهزة الدولة على التواصل الدائم مع "حماس" وكتائبها، ثم اشترطت عليها لاحقًا، لعودة العلاقات وفتح المعبر بشكل دائم ومستقر وطبيعي تحقيق ثلاثة أمور؛ أولها ضبط الحدود من الجانب الفلسطيني ومنع دخول أي عنصر مسلح إلى الجانب المصري، وثانيها ضبط بعض العناصر الإسلامية الأجنبية التي استقرت في القطاع، وثالثها تسليم بعض الأشخاص الذين اشتركوا في تنفيذ عملييات داخل مصر وتواروا عن الأنظار في غزة. وقد قامت الحركة ببعض الخطوات في سبيل تحقيق المطلوب منها، من بين ذلك تأمين الحدود وإخلاء شريط داخل القطاع بعرض 150 مترًا يشكّل منطقة تُسيَّر فيها دوريات أمنية.
أما من داخل "حماس"، فيقول مصدر مطلع على العلاقات مع مصر إن الحركة بذلت جهودًا كبيرة في ملف مواجهة "داعش" وتحييد عناصرها وضبط الأمن في سيناء لجهة حركة السلاح وعبور الأفراد، ومنعت بشكل كامل أيًا من العناصر المسلحة المتواجدة في القطاع من العبور إلى الجانب المصري. وكانت الحركة ترى أن العلاقات مع مصر ينبغي أن تصبح أكثر تقاربًا، وتعتبر أنها تمثّل الواجهة الأمنية الحامية للأمن القومي المصري مقابل إسرائيل.