"كلنا إسراء غريب": خواء الشعار
ما يلفت النظر هنا هو نزع إرادة إسراء ووضع أفعالها خارج حدود سيطرة العقل والمفهوم والمنطقي. لم يجرؤ أحدهم أن يقول: خرجت مع شاب ولذلك قتلناها.
ما يلفت النظر هنا هو نزع إرادة إسراء ووضع أفعالها خارج حدود سيطرة العقل والمفهوم والمنطقي. لم يجرؤ أحدهم أن يقول: خرجت مع شاب ولذلك قتلناها.
كانت النساء المحرض الأول على إسراء لأنها خرجت عن مسار القبيلة، ويبدو أن إسراء نفسها كانت على وعي شديد بالمنظومة كلها وما تستدعيه من تواطؤفي هذا التحالف بين الرأسمالية والأبوية تمتلك المؤسسة مهارات التفاوض غير المعلن لتصل إلى مقايضة النساء بالحكم: نترك لكم النساء وتتركوا لنا إدارة البلاد. والتالي أنه لا بد أن تقوم السلطة بغض البصر عن جرائم تهدف إلى تأديب النساء، فالأمر في النهاية لا يضيرها ولا ينتقص من سلطتها لأنها على قناعة كاملة بأن النساء لا بد من تأديبهن كما يشي إعلامها وخطابها الديني وقوانينها، وبدلاً من أن تلوث السلطة يديها بهذا الأمر تتركه للعائلة فهي أحق منها بتأديب نسائها، ومن المعروف أن أي عنف منزلي هو شأن عائلي وخاص. المعادلة محسوبة والأطراف متفقة والسلطة لم تتحرك إلا اضطرارا. لأنَّ الرأسمالية المتأخرة توحشت بشكل غير مسبوق، كان على النساء أن يمارسن الاختيار الصعب: إما أن يكن مهمشات تماماً أو يدخلن في مفاصل السلطة، والاختيار الثاني لا يعني قبولهن الخطاب الأبوي فحسب، بل يعني أيضاً ضرورة أن يقمن بترسيخ معتقداته وتسهيل ممارساته، وهو الأمر الذي فهمته الدولة الإسلامية (داعش) مبكرا فأنشأت "كتيبة الخنساء" التي كانت تشرف على أسر النساء وتحويلهن إلى أدوات متعة للمجاهدين. كانت النساء المحرض الأول على إسراء لأنها خرجت عن مسار القبيلة. ويبدو أن إسراء نفسها كانت على وعي شديد بالمنظومة كلها وما تستدعيه من تواطؤ، فقد خرجت بعد "علقة الموت" الأولى وقالت على حساب "انستغرام" الخاص بها إنها بخير وستتغلب على كل الظروف. هكذا كانت تأمل. رهان خاسر. بقدر عدم أهمية رد فعل عائلة إسراء تجاه ما وقع لها، إلا أن المبررات اللامعقولة التي ساقها زوج أختها تستحق التأمل؛ فهي تارة كانت تضرب الممرضات (على الرغم من كسر العمود الفقري) وعلى حد قوله هي "حالة مخيفة"، وتارة كان الشيخ (أحد أطراف السلطة) يحاول إخراج الجنّ من جسدها، وتارة ثالثة كانت ترتكب محرمات آثمة في المستشفى.... ولا أذكر ماذا أيضا لأن الرجل ينسج كل يوم قصة ويخرج بها إلى العلن. ما يلفت النظر هنا هو نزع إرادة إسراء ووضع أفعالها خارج حدود سيطرة العقل والمفهوم والمنطقي. لم يجرؤ أحدهم أن يقول: خرجت مع شاب ولذلك قتلناها. لم تخسر إسراء حياتها فحسب، بل خسرت أيضاً فرديتها وغرادتها الحرة التي دفعتها إلى الخروج عن أعراف العشيرة. من أجل أن نكون كلنا إسراء غريب نحتاج إلى توافر كل شروط الجريمة التي تتوافق عليها أطراف عديدة: التحريض الداخلي والقبول الخارجي والتسليم بواقع أبوي راسخ يتخفّى خلف بعض معطيات الدولة "الحديثة" التي تمنحه الأمان بدورها.