استعادة لمقطع تشويقيّ من زمنٍ قريب
لطالما ابتُذِلت أغنية "ورقه الأصفر" (كلمات جوزيف حرب وألحان فلمون وهبة وغناء السيّدة فيروز) في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد الكثير من مستخدمي هذه المواقع نشرها في الأول من أيلول من كل عام، واعتاد آخرون السخرية من هذا التكرار، أو التمهيد لهذه السخرية، بالتمنّي بعدم نشرها تحت عنوان "فهمنا!". هكذا صارت هذه المحطّة السنوية بمثابة استبدال، في لاوعينا الجمعي، للذكرى السنويّة لإعلان دولة لبنان الكبير. كأنّنا اليوم "فهمنا"، أخيراً، هذا التعلّق اللاواعي بكلمات هذه الأغنية ولحنها، وبأنين صوت السيدة فيروز إذ تعيد على مسامعنا في كلّ موسم "رجع أيلول وإنت بعيد بغيمة حزينة قمرها وحيد... بصير يبكّيني شتي أيلول... وبفيّقني عليك يا حبيبي". كأنّ الكلمات هذه طقسٌ خاص لإحياء ذكرى سنويّة. كأنّها كانت تنذرنا طوال سنوات بقرب النهايات الحزينة المملّة، حيث لا يلتقي الحبيبان، وحيث لا يتمكّنان من الاستمرار في الفراق أيضاً نتيجة عوامل عدّة، منها ما هو طبيعي ومنها ما هو خارق للطبيعة.استعادة لمقطع تشويقيّ من زمنٍ آخر
يجلس صاحب أوسمةٍ كثيرة في وسط صورةٍ طاردتنا طوال سنوات الصفوف الابتدائية والمتوسّطة والثانويّة. يجلس بعنجهيّة مريعة. عنجهيّة تتناقض غالباً مع وصف الصورة حيث يُنحت الانطباع كالنقش في أدمغةٍ فتيّة قيد التعليب: "الجنرال غورو أحبّ لبنان كما لم يحبّه أحد". رَسمَ الجنرال لبنان، ولوَّنهُ، وأحصَى ما فيه ومن فيه، ووزّعَهُ بينهم، وجمّدَهُ مثل الصورةِ تماماً، وجعلهُ طفلاً لا ينضج. في الصورة أيضاً وجوهٌ متنوّعة مجمّدة. كأنّها كانت تنذرنا طوال سنواتٍ بنهايات حزينة مملّة، حيث يبقى "الستاتيكو" سيّد المواقف الظاهرة حتى لحظة الانحلال الأخير. يُقال إنّ الصور الفوتوغرافية تعيش مئة عامٍ إذا ما حُفظت في مكانٍ باردٍ وجاف؛ أي في عوامل طبيعيّة وما فوق طبيعيّة مناسبة لمكوّناتها. ثمّ تُتلف. وهكذا.تحضير لمقطع تشويقيّ جديد
أهلاً وسهلاً بكم في دولة لبنان الكبير. تجدون في المقطع التالي استعادة غير موضوعيّة له. تمّ الإعلان إذاً. جلس الجنرال صاحب الأوسمة الكثيرة وتوسّط ملوك الطوائف وأبلغهم؛ "هذه دولتكم تناصفوها... وإن لم تعدلوا عُدنا". انتهى البيان. نطلق العنان للمخيّلة الآن. يأخذ الأخوان رحباني زمام المبادرة؛ "هذه دولتنا... انظموا لها الأغنيات". كأنّهما أرادا إعلامنا مبكراً بأنّ فريق العمل يشكر كل من ساهم في إنجاز "ولادة هويّةٍ محليّةٍ خاصّة للدولة". أتوا بالسيدة فيروز، وسلّموها المهمّة الشاقة. جعلوها أيقونة. وضعوها في مقام الميثاقيّة. قدّسوا الميثاقية وقدّسوها. وهي بصوتها الآتي من الخيال لا يمكنها إلّا أن تكون خير أيقونة. لكنّهم لم يعدلوا. فعادوا إلى البدايات حتى يكتمل مشهد الختام. وعاد من رَسَم لبنان ولوّنه إلى ملوك الطوائف عينهم، ولو بأسماء مختلفة، بعد زيارة إلى الأيقونة الصامدة الآتي صوتها من الخيال. غير أن الصور تعيش مئة عام وتُتلف. وهكذا حصل.