"ليعلم الجميع أن قانوننا محكوم بالشريعة الإسلامية، وقوانين الكنيسة والمذاهب الأخرى"
- عبد الستار السيد، وزير الأوقاف في سوريا (8 آذار/مارس 2021)
حال المرأة العربية سيء. نادرة هي المقالات التي يمكن أن تبدأ بالخلاصة، على نحو ما بدأتُ، من دون إقامة الجدل والدليل والبرهان. لكنَّ أحداً لا يفسر الماء بالماء، وحال المرأة العربية السيء اليوم أشبه ما يكون بالحقائق العلمية غير المختلف عليها. كل ما يخص التشريعات التي تتعلق بحياة المرأة العربية ووجودها هو صورة صارخة عن فشل الدول العربية في إقامة دولة القانون العادلة لحساب الحفاظ على دولة الفتاوى والاجتهادات ومحاكم التفتيش والنصوص الألفية. وإذا ما أغمضنا العين عن رماد التسامح والتحديث الذي يذرّه محمدو الخليج الثلاثة، محمد بن زايد ومحمد بن راشد ومحمد بن سلمان، من وزارات السعادة والتآلف، ومصطلحات الصوابية السياسية، والمناصب الوزارية والاستشارية التي تتبوأها النساء، وما يتناثر معها في وجوهنا من فعاليات ومهرجانات ومؤتمرات تقيمها بعض المنظمات غير الحكومية في شتى أنحاء الدول العربية، فسنرى أن المرأة في مجتمعاتنا لا تزال مجرد كائن ناقص الأهلية والمواطنة والحقوق.
تنصّ دساتير معظم الدول العربية، لا سيما تلك الأعرق في الاستقلال والتأسيس، مثل سوريا أو العراق أو مصر، على المساواة التامة بين المواطنين من دون تمييز على أساس الجنس أو العقيدة. كما تشدد معظم هذه الدساتير على المبادئ الديموقراطية والحريات الشخصية وحقوق المواطنة. لكنَّ نظرة إلى قوانين الأحوال الشخصية في هذه البلدان تكفي لندرك أن المواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق لا تشمل المرأة في معظم الأحيان. إذ غالباً ما تشيّئ هذه القوانين المرأة لتخضعها لمشيئة الأب ومن ثم الزوج. وفي حين يندر أن يتطلب تغيير الدستور أو تعديله في الدول العربية الكثير من الوقت أو الجهد، فإنَّ تغيير قوانين الأحوال الشخصية أو حتى تعديلها غالباً ما يصطدم بعديد من العقبات ويستغرق جهداً باهظاً في النقاشات والمساومات، ووقتاً في عقد الاجتماعات والمشاورات قد يمتد لسنوات.
السبب الرئيس الكامن وراء هذا الخرق الدستوري لمبدأ مساواة المواطنين والمواطنات، كما السبب الكامن وراء التعقيدات المتعلقة بتعديل قوانين الأحوال الشخصية، يوجد في الدستور ذاته الذي ينص على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع وعلى احترام الشرائع والقوانين المذهبية لباقي الأديان وأخذها بالحسبان لدى وضع القوانين، وفي مقدمتها بالطبع قانون الأحوال الشخصية. وهذا يعني أن القانون الخاص بتنظيم مجتمعات القرن الحادي والعشرين وترتيب شؤون الناس الحياتية التي بات معدل تغيرها يحسب بالأشهر أحياناً، قائم على أحكام ونصوص عمرها مئات السنين.
وكلما فُتح النقاش حول ضرورة تحديث القانون خرجت الأصوات المحافظة لتؤكد أنها ليست ضد أي تعديلات طالما بقيت تحت سقف الشرائع السماوية وقوانين المؤسسة الدينية التي لم تكن يوماً – على اختلافها – متسامحة مع المرأة ككيان وكدور. آخر هذه الأصوات كان وزير الأوقاف السوري الذي استغل الندوة التي أقامتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لإطلاق حملة "أيام الأسرة السورية" كي يشدد، في يوم المرأة وبعد أزمة كيانيّة نهشت البلاد طيلة عقد كامل، على مركزية التشريع الديني والمذهبي في تنظيم أحوال المجتمع.
يؤكد أيضاً على هذا الأمر القانون رقم 4 لعام 2019 الصادر بتعديل قانون الأحوال الشخصية في سوريا في مادته الأخيرة التي تنص على الرجوع "في فروع كل مسألة قانونية نص عليها في هذا القانون إلى القول الأرجح في المذهب الفقهي الذي استمدت منه هذه المسألة". وعلى الرغم من أن هذا القانون الذي يراه الوزير السيّد "متقدماً على كثير من دول العالم" سجل شيئاً من التقدم الإيجابي باتجاه حماية حقوق المرأة وليس مساواتها مع حقوق الرجل إلا أنه لا يزال متأخراً كثيراً عن منح المرأة الأهلية القانونية والإنسانية الكاملة، ولا يزال بالطبع يحسب لها عدد "حيضاتها".
كذلك يشهد المجتمع المصري هذه الأيام جدلاً هائلاً في ما يخص مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يرفض عدد من الهيئات والمؤسسات الدينية كثيراً من التعديلات التي يقترحها ومن بينها القيود على تعدد الزوجات. من جهة أخرى، يرى عديد من المنظمات الحقوقية أن مشروع القانون لا يزال مجحفاً تجاه المرأة ومنتقصاً من أهليتها، إذ يعطي وليَّها الحق بفسخ زواجها في حال اعتبره غير متكافئ ولا يسمح للأم الحاضنة بالسفر مع أطفالها من دون موافقة الأب غير الحاضن ولكنه لا يشترط موافقتها هي في وضع معكوس.
لا بدّ من الإقرار بأن المساواة الكاملة والحقيقية لن تتحقق إلا من طريق قانون وضعي مدني لا يأخذ بمتطلبات أي دين أو مذهب
يمكن أن نعتبر الحالتين السورية والمصرية مثالاً ونعمم هذه النقاشات والتعقيدات على حالات عربية أخرى. تسجل معظم الدول العربية التحفظات ذاتها تقريباً على "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو CEDAW)". وتأتي هذه التحفظات على مواد تتناول حقوقاً لم تعد محل جدل كحق المرأة في منح جنسيتها، ومواد تطالب الدول الأعضاء باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بمنح المرأة حقوقها الكاملة وأهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل، ونفس فرص ممارسة تلك الأهلية في الشؤون المدنية وتحقيق مساواتها مع الرجل أمام القانون وفي مؤسسة الزواج وكافة المجالات الأخرى.
تسجل الدول هذه التحفظات على أساس مخالفة هذه المواد للشريعة الإسلامية. وتؤكد الأصوات المدافعة عن الشريعة أن الدين الإسلامي كرّم المرأة وأنصفها في المسائل المالية والحياتية، لكنَّ المرأة المعاصرة لا تعدّ المهر، على سبيل المثال، وجهاً من وجوه التكريم. وتذهب النسويات إلى طرح المساواة والتعاون في بناء الحياة المشتركة ويرغبن في الحصول على العمل وعلى دخلهن الخاص واستقلالهن المادي والمعنوي عن الرجل.
لا يريد رجال الدين في المجتمعات العربية التخلي عن دورهم في تنظيم حياة المرأة وشؤونها. ولا بدَّ من اعتبار أنَّ القوانين المنبثقة من التعاليم الدينية – شرعية كانت أم كنسية – تحدّ من كينونة المرأة وأهليتها كما أنه لا بدّ من الإقرار بأن المساواة الكاملة والحقيقية لن تتحقق إلا من طريق قانون وضعي مدني لا يأخذ بمتطلبات أي دين أو مذهب.
القانون علم مثل أيّ علم آخر. وهو في حالة تطور مستمر ومواكبة للتغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي تطرأ على المجتمعات البشرية. وكما أن العلم لم يعد يقول إنَّ الأرض مسطحة أو إنّ المرض سببه الخطيئة البشرية أو إن الخليقة أتت من آدم وحواء وفلك نوح، كذلك لا بد من القول إنّ بوناً شاسعاً بات يفصل القانون اليوم عنه أيام أئمة المذاهب الأربعة ورسائل القديس بولس.