ناشطون في COP 28 يتحدّون "الاستعمار الأخضر"

يتفق العديد من الناشطين الحاضرين في قمة تغير المناخ على أهمية الوعي بتقاطعيّة القضايا البيئية مع غيرها من قضايا حقوق الإنسان. من هنا كانت فلسطين، وغزة على وجه التحديد، حاضرة عبر أنشطتهم في المؤتمر.

بعروقٍ بارزة ونقاط من العرق تعلو جبهته، دخل طارق لاهثًا غرفة المؤتمرات، وجلس في مكانه خلف المايكروفون إلى جانب متحدثين آخرين يرتدون الكوفية الفلسطينية للمشاركة في مؤتمر صحفي للتضامن مع فلسطين، في سياق الحديث عن العدالة المناخية. 

تزامن ذلك مع اليوم الأول من انطلاق فعاليات الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، COP 28. عرّف طارق لوثن عن نفسه كغزاويّ بالدرجة الأولى، وقاص وصحفي بالدرجة الثانية، ثمّ أردف: "لا يمكن تحقيق عالم أخضر بجذور غارقة في الدماء".

يُقام COP 28 في مدينة إكسبو بإمارة دبي التي اكتظت منذ اليوم الأول بنحو مئة ألف مشارك من جنسيات وخلفيات ثقافية ومهنية متنوعة، يعلّق كل منهم حول عنقه شريطًا أزرق موصولًا ببطاقة تعريفية.

ومع اقتراب وصول الوفود الرسمية من البلدان المشاركة في قمة العمل المناخي، بدأت مجموعات من الناشطين بتوزيع أشرطة على المارة تحمل ألوان العلم الفلسطيني، كُتب عليها "Solidarity"، أي "تضامن" باللغة العربية. 

يأتي هذا الحدث العالمي في الوقت الذي تتعرض فيه غزة لحرب أسفرت حتى اللحظة عن إبادة أكثر من واحد في المئة من سكانها (إن احتسبنا المفقودين)، وجرح نحو ثلاثة في المئة منهم. من هنا، ألقت الحرب بظلالها على جانب من الحدث الذي يجتمع فيه قادة العالم لمناقشة تغير المناخ ومحاولة تفعيل صندوق الخسائر والأضرار للدول الأقل مساهمة في انبعاثات الكربون، والأكثر تضررًا منها. 

الاستعمار الأخضر

تُعد العدالة البيئية من الثيمات الأساسية لـ COP 28، كما أنها من المواضيع التي تلقى اهتمامًا خاصًا لدى الناشطين المدافعين عن البيئة وحقوق الإنسان. ويستند هذا المفهوم إلى حق الجميع في الحماية من التلوث، والعيش في بيئة نظيفة وصحية.

في ضوء ذلك، أقيمت مؤتمرات صحفية عدة تناولت هذه الثيمة، أهمها المؤتمر الذي نظمه Friends of the Earth International، وهو تجمع للمناصرة البيئية مقرّه المملكة المتحدة، ويضم ناشطين من حول العالم. 

في الكلمة الافتتاحية لهذا المؤتمر، أثارت الناشطة البيئية ليز ماسون الانتباه بشعرها الأزرق وكوفيّتها الحمراء، ومن ثم بصوتها الجهوري الذي نادى بالعدالة لفلسطين وإنهاء الاستعمار البيئي والاستيطاني. 

يعيق الاحتلال إمكانية إقامة مشاريع للتكيف مع تغيّر المناخ للحيلولة دون صمود الفلسطينيين في أرضهم

وقد ضم المؤتمر متحدثين آخرين، من بينهم الناشطة الفلسطينية رشا أبو دية من منظمة PENGON، التي شاركت في فيديو مصور بدلًا من الحضور، حيث ذكّرت بأن إسرائيل  "بالتزامن مع قصفها الوحشي لغزة، أعطت اثنتي عشرة رخصة لستّ شركات نفط وغاز، للقيام بحفر استكشافي للاحتياطيات عند ساحل غزة".

تروّج إسرائيل لنفسها بوصفها دولة "خضراء"، أي بأنها مراعية للبروتوكولات البيئية في ممارساتها وخططها المستقبلية. غير أن الناشطين المؤيدين لفلسطين في المؤتمر دأبوا على الإضاءة على ممارستها "الاستعمار الأخضر" ضد الفلسطينيين، من خلال استنزاف الموارد الطبيعية ومصادرة الأراضي وتهجير السكان بشكل مستمر. 

مشكلة المياه: مثال غزة 

وتُعد مشكلة نقص المياه، خصوصًا تلك الصالحة للشرب في قطاع غزة، من المشاكل الأكثر أهمية، ليس بفعل تغير المناخ وحده، بل بسبب سياسات إسرائيل أيضًا، حيث تمنع الأخيرة دخول المواد والوقود اللازم لمعالجة مياه الصرف الصحي، ما يؤدي إلى تسربها إلى المياه الجوفية ومياه البحر، وبالتالي إلى إضرارها بالحياة البحرية والصحة العامة.

وقد تفاقمت حدة مشكلة المياه في غزة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأصبح الحصول على مياه للشرب أو للمرافق الصحية أمرًا شبه مستحيل. 

وفي هذا الصدد، علقت رانيا حرارة، الناشطة البيئية والنسوية، خلال مداخلتها في المؤتمر الصحفي للتضامن مع فلسطين بالقول إن الفلسطينيين "لا يتمتعون بأدنى حقوقهم، ومنها الحق في الوصول إلى مصادر الغذاء والمياه والهواء النظيف، حيث يحصل الفرد الفلسطيني على 20 ليتر من المياه في اليوم (لتلبية الاحتياجات الصحية الأساسية)، في حين توصي منظمة الصحة العالمية باستهلاك 100 ليتر في اليوم". وأضافت: "لا يموت الفلسطينيون اليوم بسبب القصف وحده، بل بسبب الجوع والأمراض الناجمة عن تلوث المياه أيضًا".

وبحسب جوناثان كريكس، مسؤول التواصل والمناصرة في "اليونيسيف"، يحصل الفرد في غزة يوميًا على ثلاثة ليترات من المياه فقط لسد حاجته للشرب والطبخ والمرافق الصحية، أي أن سوء الحال في القطاع قد يتجاوز فعليًا الحد المذكور أعلاه. 

تقاطع الماء والدماء

يستضيف COP 28 نحو مئة حدث في اليوم الواحد في المنطقة الزرقاء وحدها، أي المنطقة المخصصة للمسجلين لدى الأمم المتحدة، فيما تتنوع الأحداث بين ثقافية وترفيهية وتظاهرات بيئية في المنطقة الخضراء المتاحة للجميع. 

وقد سنحت لي فرصة مقابلة هديل خميس، عضو الوفد الفلسطيني ورئيسة قسم التغير المناخي في سلطة جودة البيئة. وحين سألتها عن إمكانية تحقق عدالة مناخية في فلسطين، أجابت بأن الأمر ضرب من الخيال في ظل الاحتلال، فإلى "جانب ممارسات إسرائيل التي تدمّر البيئة الفلسطينية، كحرقها الأشجار، واستخدامها القنابل المحرمة دوليًا، ودفنها النفايات في الأراضي الزراعية، يعيق الاحتلال إمكانية إقامة مشاريع للتكيف مع تغيّر المناخ للحيلولة دون صمود الفلسطينيين في أرضهم".

ويتفق العديد من الناشطين الحاضرين في المؤتمر على أهمية الوعي بتقاطعيّة القضايا البيئية مع غيرها من قضايا حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، وصفت متحدثة في إحدى جلسات المؤتمر علاقة السكان الأصليين حول العالم بأرضهم وأنهارهم بالقول: "يعتبرُ السكان الأصليون الأرضَ امتدادًا لأجسادهم، والأنهار امتدادًا لدمائهم". 

ربما يساعد هذا التشبيه على تقديم نظرة أكثر شمولية لمعنى العدالة البيئية وتقاطعها مع الظروف الحياتية للبشر. إذ هل يمكن الفصل بين السكان والأرض، وبين المياه والدماء؟ 

يجهد المتضامنون مع غزة، الحاضرون في المؤتمر، للإجابة على فرضية الفصل هذه بـ"لا" قاطعة.

 

تمّ إنتاج هذه القصة في إطار برنامج "الشراكة الإعلامية لتغير المناخ 2023"، وهي زمالة صحافية نظمتها "شبكة صحافة الأرض" التابعة لمؤسسة "إنترنيوز". 

لاجئون بلا مسكن

في الفترة الأخيرة، تعالت أصوات حقوقيين في لبنان مطالبة بوقف الإجراءات التعسفية بحق اللاجئين السوريين في..

سارة خازم
جفافُ بلاد الرافدين

وفقًا لتوقعات "مؤشر الإجهاد المائي"، فإن العراق سيكون أرضًا بلا أنهار بحلول العام 2040. أما عام 2025،..

سارة خازم
لعنة لا تنتهي…

وصلتُ إلى بيروت بعد سنتين من الانقطاع عنها. وجدتُ المدينة التي كانت معشوقتي الأولى أيام الزيارات..

سارة خازم

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة