"...ويقال إنّ عمر أ. (24 عامًا) قتل بوحشية شريكته السابقة (23 عامًا) في مدينة تيفنباخ بالقرب من الحدود الهولندية.
وفي حوالي الساعة 1:50 من صباح يوم 14 أغسطس/آب 2023، توجّه المتهم السوري والشابة إلى هولندا مع طفليهما ورجل آخر.
...ويقال إن الشاب البالغ من العمر 24 عامًا طلب من أم طفليهما ممارسة الجنس مع الرجل الذي يرافقهم. وعندما ركعت المرأة أمام الرجل، كما أدلى بشهادته لاحقًا في المحاكمة، أخرج المتّهم سكينًا حزّ بها عنق الضحيّة من اليسار إلى اليمين، مما أحدث جرحًا عميقًا فيها.
وبما أنّ المدّعى عليه اقترب من الخلف على ما يبدو، لم تتمكن الضحية من رؤيتة ولا من الدفاع عن نفسها. ثم زُعم أن عمر أ. سحب المرأة جانبًا ووضع قدمه اليمنى فوقها وطعنها مرات عدة في رقبتها والجزء العلوي من جسدها. وبحسب المدعي العام، الذي اعتبر ما حصل جريمة قتل غادرة، فإن الأم الشابة نزفت حتى الموت.
ولم يتضح ــــ حتى تاريخ نشر الخبر باللغة الألمانية ــــ ما إذا كان طفلاهما، الكبير البالغ من العمر أربع سنوات، والصغير البالغ بضعة أسابيع في ذلك الوقت، قد شاهدا الحادثة من السيارة. يومذاك، نُقل الأطفال إلى مكتب رعاية الشباب".
نشرت صحيفة زيغنر الألمانية هذا الخبر في شباط/فبراير 2024، وفي ذلك الحين قرأته على دفعات. لم تكن قراءته ممكنة دفعة واحدة من دون أن أجهش بالبكاء.
صحيح أنّه لم يكن مؤكدًا أن الطفلين شاهدا والدهما وهو يذبح أمهما، لكنهما لا شك علما بذلك لاحقًا.
بعد قراءة الخبر، جافاني النوم لأيام. كانت تلاحقني أربعة عيون مفتوحة على اتساعها، تطل عليّ من سقف غرفة النوم ثم من الجدران فالنافذة. عيون مذعورة وتسبب لي الرعب بالقدر نفسه.
"طلاق ما فيي طلق، ومشاكل ما عاد بدي، ساعدوني أرجوكم..."
تعرّفتُ خلال عملي مع مجموعات نسائية عدّة إلى عشرات، بل ربما مئات السيدات، اللواتي لم يكن أمامهن سوى خيارين أحلاهما مرّ: الطلاق، أو تحمل أعباء علاقة زوجية متعبة تؤثر سلبًا عليهنّ وعلى أطفالهن.
بإمكاني الجزم أن السبب الأكثر شيوعًا للطلاق هو العنف المنزلي الذي لا يقتصر على الإهانات اللفظية والعنف الجسدي، بل يتعدى ذلك إلى عزل المرأة عن عائلتها وأصدقائها، وصولًا إلى تهديدها بالقتل. هكذا، تجد المرأة نفسها غارقة في دوامة من العنف لا تنتهي.
في احدى المجموعات الخاصة التي تروي النساء فيها قصصهن بشكل سري، تسرد إحدى السيدات: "علاقتي بزوجي معقدة ومشكلاتنا دائمة. تصل إلى الضرب كل مرة. كرهت نفسي وعيشتي معه. كرهت الدنيا. كنت أضحك وأفرح مع كل نسمة هواء، لكنّي الآن فقدت ثقتي بنفسي بسبب إساءاته. أنجبت في الآونة الأخيرة وحالتي النفسية يُرثى لها. لا يفهم أني أحتاج إلى الراحة النفسية حتى أدرّ الحليب لطفلي. والله العظيم، لم أهنأ بإنجابي. لم أكن عروسًا في يوم من الأيام. جاء بي حتى أطيعه وأخدمه، ولا مشكلة لدي في أن أطيعه. يهزّئني على الدوام. أنت لا تعرفين شيئًا، يقول. ومن تقول لا هي امرأة وقحة وعنيدة ورأسها يلزمه تكسير. وأنا والله لم تعد لدي طاقة لأكمل معه. إثر كل عراك أندم وأعود من أجل ابني حتى لا يقول إني ظلمته وإنه عاش من دون أب بسببي. زوجي يرفض الاقتراب مني لأن جسمي ما عاد كما كان عليه بسبب الحمل".
تضيف: "طلاق ما فيي طلق، ومشاكل ما عاد بدي. ساعدوني أرجوكم، لأني استنفذت صبري وكل الحلول"...
وتحكي لي سيدة أخرى:
"أنا امرأة معنّفة، وللأسف حامل حاليًا. كانت تصل الأمور بزوجي إلى حد تهديدي بالقتل. وصلتُ إليه عن طريق لم الشمل، وقبل أسابيع أرسلني في إجازة إلى أهلي في بلد عربي، وتبيّن أنه وكّل محامي طلاق، وأنه يعتزم إلغاء إقامتي. لحسن الحظ، أختي في بلد أوروبي ثانٍ. فعدت إليها على الفور".
ثم تختم: "ياريت إذا في حدا يساعدني أو حدا يعرف طرف خيط، أو اسم محامي مختص بهالأمور. طبعًا ذهبي وشهاداتي وأغراضي كلن بالبيت عنده، لأن ع أساس كنت مسافرة أسبوعين وراجعة"...
كان أسوأ ما واجهته هو أولئك الذين يعتقدون أن المرأة المطلقة سهلة المنال، وبالتالي فهي سيئة بالتأكيد، وإلاّ لما كانت مطلّقة!
في القصتين اللتين أوردتهما، لم أقصد إطلاقًا مهاجمة الرجال وإظهار النساء كطرف مغلوب على أمره فحسب، بل قصدت القول إنّ الطلاق لم يكن خيارًا متاحًا برغم العنف الذي يتعرّضن له، وذلك لأسباب كثيرة على رأسها الخوف على الأطفال وغياب الاستقلال المادي، والخوف من العائلة والمجتمع، وعدم الإلمام بالقوانين التي تضمن لهنّ حقوقهنّ في ألمانيا أو في أي بلد أوروبي آخر.
ولا بدّ هنا من الإضاءة على النساء اللّواتي ذهبن إلى خيار الطلاق بكامل قناعتهن، وذلك بعدما حقّقن الاستقلال المادي الذي زاد من ثقتهنّ بأنفسهن، وكذلك إثر معرفتهنّ بحقوقهنّ التي يضمنها القانون. وقد ساهم ذلك في تغيير موازين القوى داخل الأسرة، فلم يعد الرجل صاحب القوة الوحيد في العائلة بعدما باتت المرأة تساهم في الإنفاق عليها مثله أو أكثر. وهذا ما جعل الطلاق أكثر يسرًا بالنسبة لهنّ.
كذلك علينا أن ندرك أن الحياة في أوروبا وضعت الرجال والنساء في حالة من الصدمة أمام حجم المسؤوليات التي يجب أن يتحملاها، خصوصًا عند وجود أطفال وغياب العائلة الممتدة، أي الجد والجدة والأقارب، التي تلعب في العادة دورًا كبيرًا في تخفيف أعباء التربية.
قلّما تكون خيارات الزواج في المجتمعاتنا العربية المحافظة مبنيّة على التوافق حول أسس الحياة المشتركة، وفي كثير من الأحيان تكون الزيجات في حالات كهذه مجحفة بحق النساء. لذا، عندما تأتي تلك السيدات إلى ألمانيا ويحظين بفرص التعلّم والعمل، ويتوفر لهنّ الدعم لنيل حقوقهنّ كاملة، فإنهن يجدن أنفسهن غير مضطرات للرضوخ للتهميش والإذلال، فيغدو الطلاق بالنسبة لبعضهنّ ولادة جديدة في مجتمع يقدّم لهن فرصًا متساوية تتناسب مع مؤهلات الفرد بغض النظر عن جنسه، وذلك بخلاف البيئات التي قدمن منها.
كيف لي ألّا أفهم معاناة تلك السيدات، أنا التي جئت من البيئة نفسها وخبرت المرارة عينها. لم تكن تلك المرارة بسبب الانفصال فحسب، بل بسبب ما اضطررت إلى مواجهته من قطيعة عائلية واجتماعية إلى شائعات كثيرة طالتني. كان عليّ أن أبدأ حياة جديدة وأواجه تحديات المضي وحيدة في مجتمع ذكوري، وكان أسوأ ما واجهته هو أولئك الذين يعتقدون أن المرأة المطلقة سهلة المنال و"رخيصة"، وبالتالي فهي سيئة بالتأكيد، وإلاّ لما كانت مطلّقة!
"هل تعتقدين أنّ الحريات التي تتيحها ألمانيا أثرت سلبًا على النساء، وبات همهن حريتهنّ الشخصية بدلًا من بناء عائلة؟"، قال لي
قبل سنتين تقريبًا، التقيت بصديق صحفي ومدير تحرير يعمل في واحدة من كبريات مؤسسات الإعلام الأجنبية. كان قد أتى إلى برلين بحثًا عن موضوع شيّق لبرنامجه الحواري.
قال لي: "نرغب بفتح نقاش حول ظاهرة طلاق السوريات في ألمانيا".
للأسف، قال جملته بهذا القدر من التعميم.
تمالكت أعصابي قبل أن أسأله: من أيّ زاوية تريد أن تتناول المسألة؟ ثمّ هل جميع السوريات جئن إلى ألمانيا وتطلّقن ليصبح طلاقهنّ ظاهرة؟
أجابني: "ثمّة كلام كثير حول تزايد حالات الطلاق في العائلات السورية اللاجئة، هل تعتقدين أنّ الحريات التي تتيحها ألمانيا أثرت سلبًا على النساء، وبات همهن حريتهنّ الشخصية بدلًا من بناء عائلة؟".
لم أستطع تمالك نفسي، فأردفت: "هل تعتقد أنّ ثمّة امرأة واحدة في العالم تسعى إلى خراب بيتها؟ ألم تسمع بأي حالة عنف منزلي دفعت بالمرأة لطلب الطلاق؟ ألا يجوز أن يعيش الزوجان معًا لسنوات ثم يصبح التفاهم بينهما غير ممكن ويقرران الانفصال؟ ألا يمكن أن يكون الرجل هو من قرر الانفصال فيما المرأة تعرّضت للتشهير؟ ألم تسمع بحالات الخيانة الزوجية التي غالبًا ما تحدث من قبل الزوج، لأن مجتمعنا لا يجرّمها كما يجرّم خيانة المرأة؟ كيف يمكن أن نختصر قضيّة شديدة التعقيد من خلال النظر إليها من زاوية واحدة؟
ليس صديقي الصحفي الوحيد الذي يتداول خبر طلاق بعض السيدات السوريات في ألمانيا بوصفه ظاهرة يمكن التعامل معها بهذا القدر من التعميم، فوسائل التواصل الاجتماعي تغصّ اليوم بقصص مشابهة.
وهذه رواية معمّمة غير منصفة حول أسباب الطلاق لدى اللاجئات، علمًا أن الطلاق في بعض الحالات.. قد يكون نهاية صحيّة للعائلة.