الحرب الأهلية السورية قبيل ثالث انتخابات رئاسية أميركية
بين رغبة ترامب الدائمة في عقد الصفقات وإشارات بايدن العامة إلى الملف السوري وخطوط سياساته الفضفاضة حياله، ما الذي يمكن للسوريين توقعه في السياسة الأميركية تجاه بلادهم؟
بين رغبة ترامب الدائمة في عقد الصفقات وإشارات بايدن العامة إلى الملف السوري وخطوط سياساته الفضفاضة حياله، ما الذي يمكن للسوريين توقعه في السياسة الأميركية تجاه بلادهم؟
يجب الإشارة إلى أن قانون عقوبات "قيصر" كان من مشاريع الحزب "الديمقراطي" وقد عارضه "الجمهوريون" لسنوات قبل أن يقوم "الديمقراطيون" بإدخاله في صياغة قانون الموازنة الدفاعيةينهي ترامب ولايته، ويغادر على الأرجح المشهد السياسي الأميركي، بالطريقة نفسها التي أمضى بها السنوات الأربع الماضية، وهي اتخاذ كل قراراته في السياسة الخارجية وفق معيارٍ واحدٍ فقط، وهو شعبيته في الداخل الأميركي. هنا لا تختلف ضغوط ترامب على باقي الدوائر الأميركية، في نيسان/أبريل 2018، لتوجيه ضربة عسكرية تقطع رأس القيادة السورية عن ضغوطه اليوم لعقد صفقة مع دمشق حول الرهائن الأميركيين. هذا ما تخوف منه صراحةً روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى WINEP"، يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر، عندما ظهرت توقعات بأن ترامب يمكن أن يمضي إلى حد مبادلة المحتجزين الأميركيين في سوريا بالوجود العسكري الأميركي في التنف، عند مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، والذي يمثل أحد المعابر الثلاث الحتمية – وأحد اثنين تسيطر عليهما الولايات المتحدة – للجسر البري الإيراني عبر العراق إلى سوريا وشرق المتوسط. الآن بعدما تأكد استحالة عقد الصفقة الحلم بين واشنطن ودمشق، يبرز التساؤل عن مسار العلاقات الأميركيةـالسورية في مرحلة جو بايدن. يمكن توقع بعض الملامح العامة فقط. فبالرغم من أن بايدن قد نشر بيانه السياسي بما في ذلك لأولوياته في السياسة الخارجية، في 11 تموز/يوليو، إلا أن ما نشره لم يتجاوز خطوطاً فضفاضة للغاية. فهناك مقطع واحد فقط حول إيران، ينتقد فيه سياسات ترامب ويتعهد بالعودة إلى الاتفاق النووي بالتزامن مع استخدام ما يصفه بالدبلوماسية الهادفة لمواجهة أنشطة إيران التقويضية في المنطقة. بالمقابل لا يرد اسم سورية إطلاقاً. إلا أن هذا ليس بالأمر المفاجئ في الحقيقة. فصعود بايدن حقق بين المتنافسين للفوز بترشيح الحزب "الديمقراطي" من خلال تجنب اتخاذ مواقف واضحة في القضايا المختلفة، الداخلية والخارجية على حد سواء. وفي التصفيات الأخيرة بين المرشحين "الديمقراطيين" كانت نقطة قوته الرئيسية أنه ليس يسارياً، ولم ينادِ بتغيير اقتصادي عميق. وهذا ما كان مطلوباً من قبل التيار التقليدي في "الحزب الديمقراطي" ومن قبل الشركات الكبرى الداعمة للحزب. ومع تركيز ترامب لهجماته على بايدن وتجاهل باقي المرشحين "الديمقراطيين" ارتفعت حظوظ بايدن وبات من الممكن للتيار التقليدي في الحزب "الديمقراطي" تسويقه على أنه المرشح المثالي لمواجهة ترامب. حافظ بايدن على شعبيته في الأشهر الأخيرة لأنه ليس ترامب فقط. وعلى هذا الأساس سيقوم الأميركيون بالتصويت له من دون أن يضطر للخوض في التفاصيل الحساسة للسياسة الداخلية أو الخارجية. بايدن يتحدث بصراحة عن مواجهة الصين وروسيا، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف أعلن أنه ملتزم بنقل 60% من البحرية الأميركية إلى غرب المحيط الهادئ لردع الصين، كما تعهّد، في أيلول/سبتمبر، بمعاقبة روسيا بسبب تدخلاتها في السياسة الداخلية الأميركية منذ العام 2016. وهذا ما يعني فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية بحق روسيا والعودة إلى استراتيجية دعم المعارضة الروسية. ومع تركيز الصين وروسيا على منطقة الشرق الأوسط، ستكون هذه المنطقة مسرحاً للتنافس بينهما وبين أميركا بايدن – إن جاز التعبير. وما نعرفه أيضاً أن بايدن يمتلك صداقة شخصية قديمة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعلاقته باليمين الإسرائيلي جيدة. وبالتالي تكرار مرحلة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية كما كانت في عهد أوباما هو أمرٌ مستبعدٌ تماماً. في المقابل علاقته سيئة مع أردوغان وقد فشلت محاولاته في العام 2016 لتقريب وجهات النظر بين الإدارة الأميركية والقيادة التركية. ويشارك بايدن قادة "الحزب الديمقراطي" رفضهم التخلي عن المقاتلين الأكراد في سوريا، ورفضهم الصفقة التي عقدها ترامب مع أردوغان في تشرين الأول/أكتوبر. إذاً، من المرجح أن تتأثر سوريا بهذه العوامل، الصراع الأميركي مع كل من الصين وروسيا وتوتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة. وفي ما يخص سوريا نفسها بشكل مباشر، فيجب الإشارة إلى أن قانون عقوبات "قيصر"، الذي أقر نهاية العام الماضي، كان من مشاريع "الحزب الديمقراطي" وقد عارضه "الجمهوريون" لسنوات قبل أن يقوم "الديمقراطيون" بإدخاله في صياغة قانون الموازنة الدفاعية للعام 2020، ووُضع "الجمهوريين" بين خيار إسقاط كامل مسودة القانون والعودة إلى نقطة البداية وخيار إقرار قانون الموازنة الدفاعية ومن ضمنها قانون عقوبات "قيصر". ولكن بالرغم من القيود التي يفرضها هذا القانون على الإدارة الأميركية لناحية الالتزام بجدول زمني حول فرض الحزم المتتالية للعقوبات الاقتصادية، بما فيها العقوبات على المصرف المركزي السوري، إلا أن إدارة ترامب نجحت بالمماطلة وتمرير المزيد من العقوبات الشكلية، التي تطال شخصيات سياسية واقتصادية سورية، وتجاهلت المؤسسات الأكثر حيوية، وعلى رأسها المصرف المركزي. والدافع الرئيسي للجمهوريين كان محاولة إبقاء الباب مفتوحاً أمام صفقة محتملة مع موسكو، أو حتى مع دمشق حول ملف المحتجزين الأميركيين. لهذا فمن المرجح أن تكون إدارة بايدن أكثر تشدداً في تطبيق العقوبات على دمشق. يتبقى الملف الإيراني وطريقة إدارة بايدن له وما إذا كان بايدن قادراً على الوفاء بوعده بالعودة إلى الاتفاق النووي. يستحق هذا الملف دراسة متأنية لتفاصيله العديدة، وهذا ما سنتركه لمقالة مقبلة. ولكن ما هو أكيد أن أي اتفاق جديد – بافتراض حصوله – لن يجلب معه أجواء الثقة والتعاون التي سادت بين إيران والولايات المتحدة منذ تموز/يوليو 2015. وأجواء الثقة والتعاون الأميركي الإيراني في 2015 لم تنعكس إيجاباً على سوريا، بل كانت تلك المرحلة إحدى أسوأ سنوات الحرب، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. لهذا فمن المستبعد توقع أي انعكاسات إيجابية لأي اتفاق إيراني أميركي محتمل على الملف السوري. ولعله من المفيد التذكير بأن إيران إذا ما مضت للتفاوض مع الولايات المتحدة، فسيكون ذلك للتخلص من العقوبات الاقتصادية الخانقة التي هوت بالعملة الإيرانية من مستوى 40 ألف ريال أمام الدولار في نيسان/أبريل 2018 إلى 320 ألفاً هذه الأيام. فإذا ما كانت الأولوية هي الخروج من العقوبات، فهل ستخاطر إيران بخرق العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا؟ هذا في الخطوط العامة، أما التفاصيل فتحتاج لمعرفة ما ستقوم به دمشق وباقي اللاعبين الإقليميين في الملف السوري وكيفية التفاعل بين أجندات هؤلاء اللاعبين والخطوط العامة للسياسة الأميركية. بالمجمل، لا يُتوقع حصول انفراجة. وفي هذه الأثناء لعله من المفيد للسوريين التمعن في المشهد السوداني وأزماته الاقتصادية، والصفقة التي اضطرت الخرطوم لعقدها مع واشنطن، وذلك لأخذ فكرة عن الصفقات المتاحة في المنطقة.