هل كان "اغتصاب" أوكرانيا حتميًا؟
منذ بعضٍ من الوقت وبوتين يستخدم "لغةً جنسية" عنيفة لدى الإشارة إلى أوكرانيا، يهاجمها الفيلسوف والناقد الثقافي السلوفيني سلافوي جيجك في هذه المقالة.
منذ بعضٍ من الوقت وبوتين يستخدم "لغةً جنسية" عنيفة لدى الإشارة إلى أوكرانيا، يهاجمها الفيلسوف والناقد الثقافي السلوفيني سلافوي جيجك في هذه المقالة.
ماذا لو كان هذا الصراع خطيرًا للغاية، لا لأنه يعكس القوة المتنامية لدى القوتين العظميين السابقتين، بل لأنّه يثبت عجزهما عن قبول حقيقة أنهما لم تعودا قوتين عالميتين؟من السهل ترجمة هذا المشهد على أنّه مشهد اغتصاب. فروسيا، المستعدة لاغتصاب أوكرانيا، تدعي عدم الرغبة في القيام بذلك، لكنّها توضح ما بين السطور أنّها مستعدة لاقتراف الاغتصاب إن لم تنل قبول أوكرانيا الجنسي (لنتذكّر هنا ردَّ بوتين البذيء). كما أنَّ روسيا تتهم أوكرانيا باستفزازها لارتكاب هذا الاغتصاب. تدقّ الولايات المتحدة التي تريد حماية أوكرانيا من الاغتصاب، ناقوس الخطر تحذيرًا من التهديد الوشيك بالاغتصاب كي يمكنها أن تؤكّد أنّها حامية الدول ما بعد السوفييتية. لكنّ هذه الحماية لا تكفّ عن تذكيرنا بشقيّ محلي يعرض "الحماية" من السرقات المحتملة على محلات البقالة والمطاعم في منطقته، مع تهديد مستتر بأنها إذا رفضت حمايته، قد يحدث لها شيء ما. تحاول أوكرانيا، المستهدفة بالتهديد بالاغتصاب، التزام الهدوء هلعةً لسماع نواقيس الخطر الأميركية، ومدركةً أنَّ الضجة بشأن الاغتصاب يمكن أن تدفع روسيا إلى ارتكابه بالفعل. إذن، ما الذي يكمن وراء هذا الصراع بكل مخاطره التي يصعب التنبّؤ بها؟ ماذا لو كان هذا الصراع خطيرًا للغاية، لا لأنه يعكس القوة المتنامية لدى القوتين العظميين السابقتين، بل على العكس، لأنّه يثبت عجزهما عن قبول حقيقة أنهما لم تعودا قوتين عالميتين حقيقيتين؟ في ذروة الحرب الباردة، قال ماو تسي تونغ إنَّ الولايات المتحدة، بكلّ أسلحتها، نمر من ورق. لكنه نسي أن يضيف أن النمور الورقية يمكن أن تكون أشدّ خطرًا من النمور الحقيقية الواثقة من نفسها. ليس الفشل الذريع المتمثّل بالانسحاب من أفغانستان سوى آخر ضربة في سلسلة من الضربات التي لحقت بتفوّق الولايات المتحدة. وليست محاولة روسيا إعادة بناء الإمبراطورية السوفيتية سوى محاولة يائسة للتغطية على حقيقة أن روسيا الآن دولة ضعيفة في انحدار. وكما هو الحال أيضًا مع المغتصبين الفعليين، فإنَّ حالات الاغتصاب تشير إلى عنانة المعتدي . أصبحت هذه العنانة محسوسة الآن بعدما بدأ فعل الاغتصاب مع أول إيلاج للجيش الروسي في أوكرانيا، إذا ما استبعدنا الدور القذر لمجموعة "فاغنر"، وهي شركة عسكرية خاصة أدّى المتعاقدون معها أدوارًا في نزاعات متنوعة، من بينها عمليات في الحرب الأهلية السورية، وفي القرم، وفي أفريقيا الوسطى وجمهورية صرب البوسنة (Republika Srpska). وهذه المجموعة من المرتزقة المجهولين الذين هم وحدة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الروسية تستخدمها الحكومة الروسية في النزاعات التي تحتاج إلى قابلية للإنكار، عملت لسنوات في الدونباس، ونظمت المقاومة "العفوية" ضد أوكرانيا (كما فعلت من قبل في القرم). يجب أن نعي جميعًا، نحن الذين ننتمي إلى البلدان التي عليها أن تشهد اغتصاب أوكرانيا، أنَّ إخصاءً حقيقيًا فحسب هو الذي يمكن أن يمنع الاغتصاب. ولذلك يجب أن نوصي بأن يجري المجتمع الدولي عملية إخصاء لروسيا، متجاهلًا ومهمِّشًا إياها قدر الإمكان، بحيث يتأكّد أنَّ لا شيء من سلطتها العالمية سوف ينمو بعد ذلك. * لا تعبر المقالة بالضرورة عن رأي الموقع أو المترجم